الرؤيا الحقّ التي هي من الله تعالى، وهي من المبشّرات، لا الباطل الذي هو
المنسوب إلى الشيطان، فإنه لا يتمثّل بي، وكيف لا تكون مبشّرات؟ وهو
البشير النذير، والسراج المنير، وهو الرحمة المهداة إلى كافّة الخلق: {وَمَا
أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ (107)} [الأنبياء: 107].
قال: وعلى هذا أيضًا الرواية الأخرى: "فقد رآني الحقّ"؛ أي: رؤية
الحقّ، لا الباطل، وكذا الرواية الأخرى: "فقد رآني"، فإن الشرط والجزاء إذا
اتّحدا دلّ على الكمال والغاية؛ أي: فقد رآني رؤيا ليس بعدها كمال؛ كقوله:
"من كانت هجرته إلى الله فهجرته إلى الله"، ولا كمال أكمل من الحقّ، كما لا
نقص أنقص من الباطل، والباطل هو الكذب، ويؤيّده حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-
مرفوعًا: "رؤيا المؤمن جزء من ستة وأربعين جزءًا من النبوّة"، وما كان من
النبوّة، فإنه لا يكذب، فحينئذ لا يفتقر إلى تلك التكلّفات، والتمحّلات، ولا
يكشف الأستار عن مثل تلك الأسرار إلا من تدرّب في علم المعاني، واعتلى
شامخ البيان، وعَرَف كيف يؤلّف الكلام، ويصنّف، ويرتّب النظام، ويرصّف.
انتهى (?)، والله تعالى أعلم.
مسائل تتعلّق بهذا الحديث:
(المسألة الأولى): حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- هذا متّفقٌ عليه.
(المسألة الثانية): في تخريجه:
أخرجه (المصنّف) هنا [2/ 5905 و 5906 و 5907] (2266 و 2267)،
و(البخاريّ) في "التعبير" (6993)، و (أبو داود) في "الأدب" (5123)،
و(الترمذيّ) في "الرؤيا" (2280) وفي "الشمائل" (389)، و (ابن ما جه) في
"تعبير الرؤيا" (3901)، و (الطيالسيّ) في "مسنده" (2420)، و (ابن أبي شيبة)
في "مصنّفه" (11/ 55)، و (أحمد) في "مسنده" (2/ 342 و 410 و 411 و 463
و469 و 472)، و (ابن راهويه) في "مسنده" (1/ 287)، و (ابن حبّان) في
"صحيحه" (6051 و 6052)، و (الطبرانيّ) في "الأوسط " (958)، و (الحاكم)