وأكل المال بالباطل، مع ما فيها من الصدّ عن ذكر الله، وعن الصلاة، وعمَّا
يفيد الإنسان في دينه ودنياه، ومع ما يطرأ فيها من الشحناء، والبغضاء، ولذلك
شدَّد النبيّ-صلى الله عليه وسلم-في لَعْبها فقال- فيما رواه مالك عن أبي موسى -رضي الله عنه -: "مَنْ لَعِب
بالنرد، فقد عصى الله ورسوله"، وهذا نصٌّ في تحريم النَّرد، وهو المراد بقوله:
"فكأنما صبغ يده في لحم خنزير، ودمه"، فإنَّ هذا الفعل في الخنزير حرام؛ لأنَّه
إنما عَنَى بذلك تذكية الخنزير، وهي حرام بالاتفاق، ولذلك لم يُختلَف فيه،
ويُلحق به كل ما يقامَر به، كالشطرنج، والأربعة عشر، وغير ذلك مما في معناه.
واختُلف في الشطرنج إذا لم يقامر به، فقيل: إنه على التحريم، وهو
ظاهر قول مالك، والليث؛ حيث قالا: إنَّها شرّ من النَّرد، وألهى، ويؤيد هذا
أحاديث رواها عبد الملك بن حبيب تقتضي ذمَّ لاعب الشطرنج، ولَعْنه، ولا
شك في أن من ظن التحريم فيها إنَّه يردُّ شهادة اللاعب بها.
وذهبت طائفة إلى أن ذلك مكروه، وهو نصُّ المذهب- يعني: المالكيّة-
غير أن من أصحابنا من تأوَّله على التحريم، والكراهة مذهب الشافعيّ، وأبي
حنيفة، ولا يردّان شهادة من لعب بها من غير قمار، وقال مالك: تسقط شهادة
المدمن عليها. وقال بعض أصحابنا: إن المحرَّم إنَّما هو الإدمان عليها، فأما
لو لم يُدمن عليها، وتستَّر باللعب بها مع الأَكْفاء والنُّظراء، وسَلِمَ من المفاسد
التي ذكرناها فهي مباحة، وقد فسَّر بعض أصحابنا هذا: بأن يلعبها مرَّة في
السَّنة، وهذا شذوذ. انتهى كلام القرطبيّ رحمه الله (?).
قال الجامع عفا الله عنه: الذي يرجح عندي تحريم اللعب بالنرد،
والشطرنج؛ لظهور أدلّتها كما سيأتي تحقيقه في المسألة الثالثة- إن شاء الله
تعالى-.
مسائل تتعلّق بهذا الحديث:
(المسألة الأولى): حديث بُريدة بن الحصيب -رضي الله عنه- هذا من أفراد
المصنّف رحمه الله.