(المسألة الثالثة): في فوائده:
1 - (منها): بيان عن قتل النمل إذا لم تُؤذِ.
2 - (ومنها): بيان أن الحيوانات كلّها تُسبّح الله سبحانه وتعالى حقيقةً، لا مجازًا
كما يزعمه بعضهم حيث يؤولون ذلك على لسان الحال، وهو قول باطلٌ،
فالحقّ أنها تسبّح الله تعالى تسبيحًا حقيقيًّا، كما أوضح الله تعالى ذلك في كتابه
الكريم، حيث قال: {تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا (44)} [الإسراء: 44].
وقال الإمام ابن كثير رحمه الله في "تفسيره" عند قوله تعالى: {وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ}: أي: وما من شيء من المخلوقات إلا يسبح بحمد الله، {وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ}؛ أي: لا تفقهون تسبيحهم أيها الناس؛ لأنها بخلاف لغاتكم،
وهذا عامّ في الحيوانات، والجمادات، والنباتات، وهذا أشهر القولين، كما
ثبت في "صحيح البخاريّ" عن ابن مسعود - رضي الله عنه - أنه قال: "كنا نسمع تسبيح
الطعام، وهو يؤكل"، وفي حديث أبي ذرّ - رضي الله عنه -: "أن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - أخذ في يده
حصيات، فسُمع لهنّ تسبيح، كحنين النحل، وكذا في يد أبي بكر، وعمر،
وعثمان - رضي الله عنهم - "، وهو حديث مشهورد في "المسانيد". انتهى (?).
وقال القرطبيّ رحمه الله: وقوله: "أهلكتَ أمةً من الأمم تسبّح؟ ": مقتضى هذا
أنه تسبيحُ مقالٍ ونُطْق، كما قد أخبر الله تعالى عن النَّمل أنَّ لها منطقًا، وفَهْمُه
سليمان - صلى الله عليه وسلم - معجزة له. وقد أخبر الله تعالى عن النملة التي سمعها سليمان عليه السلام
أنها قالت: {يَاأَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (18) فَتَبَسَّمَ ضَاحِكًا مِنْ قَوْلِهَا} [النمل: 18، 19]، فهذا كلُّه يدلُّ دَلالةً
واضحة: أن للنَّمل نُطقًا وقولًا، لكن لا يسمعه كل أحدٍ، بل من شاء الله تعالى
مِمَّن خرق له العادة من نبي، أو وليّ، ولا يُنكَر هذا: من حيث إنَّا لا نسمع
ذلك، فإنَّه لا يلزم من عدم الإدراك عدم المدرَك في نفسه. ثم: إن الإنسان
يجدُ في نفسه قولًا وكلامًا، ولا يُسمعُ منه إلا إذا نَطَق بلسانه. وقد خرق الله
العادةَ لنَبيِّنا - صلى الله عليه وسلم -، فأسمعه كلام النفس من قومٍ تحدَّثوا مع أنفسهم، وأخبرهم بما