ممن يُخشى بطشه، وحصول الضرر لمن ترك ذلك فيسلّم عليهما؛ للضرورة،
والله تعالى أعلم.
(المسألة السادسة): في اختلاف أهل العلم في السلام على أهل مجلس،
فيه أخلاط من المسلمين، وغيرهم:
قال النوويّ رحمه الله: السُّنَّة إذا مَرّ بمجلس فيه مسلم وكافر أن يسلّم بلفظ
التعميم، ويقصد به المسلمَ، قال ابن العربيّ رحمه الله: ومثله إذا مَرّ بمجلس يجمع
أهل السُّنَّة والبدعة، وبمجلس فيه عدول وظَلمة، وبمجلس فيه محب ومبغض.
واستَدَلّ النوويّ على ذلك بحديث أسامة بن زيد: "أن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - ركب
حمارًا ... الحديث، وفيه: "حتى مرّ في مجلس فيه أخلاط من المسلمين،
والمشركين ... إلى أن قال: فسلّم عليهم النبيّ - صلى الله عليه وسلم - ... " الحديث، متّفقٌ عليه.
قال في "الفتح": وهو مفرعّ على منع ابتداء الكافر بالسلام، وقد ورد
النهي عنه صريحًا في حديث أبي هريرة المذكور في الباب: "لا تبدءوا اليهود
والنصارى بالسلام ... " الحديث، وبحديث أبي بَصْرة- بفتح الموحدة،
وسكون المهملة- الغفاريّ - رضي الله عنه - عند البخاريّ في "الأدب المفرد"، والنسائيّ:
"أن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - قال: إني راكب غدًا إلى اليهود، فلا تبدءوهم بالسلام".
وقالت طائفة: يجوز ابتداؤهم بالسلام، فاخرج الطبريّ من طريق ابن
عيينة قال: يجوز ابتداء الكافر بالسلام، لقوله تعالى: {لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ} [الممتحنة: 8] وقول إبراهيم لأبيه: {سَلَامٌ عَلَيْكَ} [مريم:
47] وأخرج ابن أبي شيبة من طريق عون بن عبد الله، عن محمد بن كعب،
أنه سأل عمر بن عبد العزيز عن ابتداء أهل الذمة بالسلام، فقال: نَرُدّ عليهم،
ولا نبدؤهم، قال عون: فقلت له: فكيف تقول أنت؛ قال: ما أرى بأسًا أن
نبدؤهم، قلت: لم؟ قال: لقوله تعالى: {فَاصْفَحْ عَنْهُمْ وَقُلْ سَلَامٌ} [الزخرف: 89]،
وقال البيهقيّ- بعد أن ساق حديث أبي أمامة: أنه كان يسلّم على كل من لقيه،
فسئل عن ذلك، فقال: إن الله جعل السلام تحيةً لأمتنا، وأمانًا لأهل ذمتنا-:
هذا رأي أبي أمامة، وحديث أبي هريرة في النهي عن ابتدائهم أَولى.
قال الجامع عفا الله عنه: لقد أجاد البيهقيّ رحمه الله في هذا التعقّب، فما