وقوله: (فَفَقَأْتَ عَيْنَهُ) بقاف، ثم همزة ساكنة؛ أي: شققت عينه. قال ابن
القطّاع: ففقأ عينه: أطفأ ضوءها.
وقوله: (مَا كَانَ عَلَيْكَ مِنْ جُنَاحٍ) بضمّ الجيم، وتخفيف النون؛ أي:
من إثم، أو مؤاخذة، ولفظ البخاريّ: "لم يكن عليك جُناح"، ولفظ النسائيّ:
"ما كان عليك حرجٌ"، وقال مرّةً أخرى: "جُناحٌ". والمراد بالجناح هنا
الحرج.
قال في "الفتح": وفيه ردّ على من حمل الجناح هنا على الإثم، ورَتَّب
على ذلك وجوب الدية؛ إذ لا يلزم من رفع الإثم رفعها؛ لأن وجوب الدية
من خطاب الوضع، ووجه الدلالة أن إثبات الحِلّ، يمنع ثبوت القصاص
والدية.
وورد من وجه آخر عن أبي هريرة أصرح من هذا، عند أحمد، وابن أبي
عاصم، والنسائي، وصححه ابن حبان، والبيهقي، كلهم من رواية بشير بن
نَهِيك عنه بلفظ: "من اطلع من بيت قوم بغير إذنهم، ففقؤا عينه، فلا دية ولا
قصاص"، وفي رواية من هذا الوجه: "فهو هدر". انتهى.
وقال في "الفتح" أيضًا: واستُدلّ به على اعتبار قَدْر ما يُرْمُى به، بحصى
الخذف المقدَّم بيانها في "كتاب الحجّ"؛ لقوله في حديث الباب: "فخذفته"،
فلو رماه بحجر يقتل، أو سهم تعلَّق به القصاص، وفي وجه لا ضمان مطلقًا،
ولو لم يندفع إلا بذلك جاز، ويستثنى من ذلك من له في تلك الدار زوج، أو
مَحْرم، أو متاع، فأراد الاطلاع عليه، فيمتنع رميه للشبهة. وقيل: لا فرق.
وقيل: يجوز إن لم يكن في الدار غير حريمه، فإن كان فيها غيرهم أنذر، فإن
انتهى، وإلا جاز، ولو لم يكن في الدار إلا رجل واحد، هو مالكها، أو
ساكنها لم يجز الرمي قبل الإنذار، إلا إن كان مكشوف العورة. وقيل: يجوز
مطلقًا؛ لأن من الأحوال ما يُكره الاطلاع عليه كما تقدم، ولو قَصَّر صاحب
الدار بأن ترك الباب مفتوحًا، وكان الناظر مجتازًا، فنَظَر غير قاصد، لم يجز،
فإن تعمّد النظر فوجهان: أصحهما لا، ويلتحق بهذا من نظر من سطح بيته،
ففيه الخلاف، وقد توسع أصحاب الفروع في نظائر ذلك، قال ابن دقيق العيد:
وبعض تصرفاتهم مأخوذة من إطلاق الخبر الوارد في ذلك، وبعضها من مقتضى