فقيل له: رجع، فقال: (رُدُّوا عَلَيَّ)؛ أي: أبا موسي، (رُدُّوا عَلَيَّ) كرّره للتأكيد،
(فَجَاءَ) أبو موسي، وتقدّم أنه إنما جاء في اليوم الثاني، (فَقَالَ) عمر - رضي الله عنه - (يَا أَبَا
مُوسَى مَما رَدَّكَ؟ ) "ما" استفهاميّة للإنكار؛ أي: أيّ شيء حمل على الرجوع دون
أدن تدخل عليّ؟ ثم ذكر له عذره في عدم تنبّهه لاستئذانه، فقال: (كُنَّا فِي
شُغْلٍ)؛ أي: عَمَلٍ يَشْغَلنا عن التفرّغ لإجابتك. (قَالَ) أبو موسى - رضي الله عنه - (سَمِعْتُ
رَسُولَ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُوُل: "الِاسْتِئْذَانُ ثَلَاثٌ)؛ أي: ثلاث من المرَّات، (فَإِنْ أُذِنَ لَكَ)
بالبناء للمفعول؛ أي: أذِن لك المستأذَن عليه، فادخل (وَإِلَّا)؛ أيَ: وإن لَمْ
يؤذن لك (فَارْجِعْ ") ففيه وجوب الرجوع بعد الثلاث، وعدم الزيادة عليها. (قَالَ)
عمر - رضي الله عنه - (لَتَأْتِيَنِّي عَلَى هَذَا) الذي ادّعيت سماعه من النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (بِبَيِّنَةٍ، وَإِلَّا)؛
أي: وإن لَمْ تأت بالبيّنة (فَعَلْتُ وَفَعَلْتُ)؛ أي: فعلت بك ما يكون نكالًا، وهذا
في معنى قوله في الرواية الأخرى: "أقم البيّنة، وإلا أوجعتك"، وفي الرواية
الأخرى: "والله لأوجعنّ ظهرك وبطنك، أو لتأتينّ بمن يشهد"، وفي رواية:
"لأجعلنك نكالًا"، وقد تقدّم أن هذا كلّه محمولٌ على تقدير: لأفعلنّ بك هذا
الوعيد إن ظهر منك تعمّد الكذب، ولم يظهر، ولله الحمد.
(فَذَهَبَ أَبُو مُوسَى) منس إلى مجلس الأنصار يطلب من يشهد له. (قَالَ
عُمَرُ) - رضي الله عنه - (إِنْ وَجَدَ بَيِّنَةً تَجِدُوهُ عِنْدَ الْمِنْبَرِ عَشِيَّةً) قال الفيّوميّ - رَحِمَهُ اللهُ -: العَشِيِّ،
قيل: ما بين الزوال إلى الغروب، ومنه يقال للظهر والعصر: صَلاتَا العَشِيِّ،
وقيل: هو آخر النهار، وقيل: العَشِيُّ من الزوال إلى الصباح، وقيل: العَشِيُّ،
والعِشَاءُ من صلاة المغرب إلى العتمة، وعليه قول ابن فارس: العِشَاءَانِ:
المغرب والعتمة، قال ابن الأنباريّ: العَشِيَّةُ مؤنثةٌ، وربما ذَكَّرتها العربُ على
معنى العشيّ، وقال بعضهم: العَشِيَّةُ واحدة، جَمْعها عَشِيّ، والعِشَاءُ بالكسر
والمدّ: أول ظلام الليل. انتهى (?).
(وَإِنْ لَمْ يَجِدْ بَيِّنَةً فَلَمْ تَجِدُوهُ، فَلَمَّا أَنْ جَاءَ بِالْعَشِيِّ) "أَنْ" بعد "لَمّا"
زائدة (?)، كما في قوله تعالى: وَلَضَآ {وَلَمَّا أَنْ جَاءَتْ رُسُلُنَا لُوطًا سِيءَ بِهِمْ} الآية [العنكبوت: 33].