(أَلَمْ يُخْبِرْنَا زيدٌ عَنِ الصُّوَرِ)؛ أي: حكمها، وهو التحريم (يَوْمَ الأَوَّلِ؟ )
بالإضافة، من إضافة الموصوف إلى الصفة؛ أي: في اليوم الأول الذي مضى
قبل هذا؛ أي: فكيف يَجعل على بابه سترًا فيه صورة؟ (فَقَالَ عُبَيْدُ اللهِ: أَلَمْ
تَسْمَعْهُ)؛ أي: ألم تسمع زيدًا (حِينَ قَالَ: إِلَّا رَقْمًا) هذا هو الصواب، ووقع
في بعض النُّسخ: "إلا رقم"، بالرفع، والظاهر أنه غلطٌ. (فِي ثَوْبٍ) وفي رواية
عمرو بن الحارث التالية: "قال: إنه قال: إلا رقمًا في ثوب، ألم تسمعه؟
قلت: لا، قال: بلى قد ذَكر ذلك".
قال القرطبيّ رحمهُ اللهُ: (وقولُ بُسر لعبيد الله الخولانيّ: ألَمْ يُخْبِرْنَا زيدٌ عَنِ
الصُّوَرِ)؛ يعني: زيد بن خالد، وذلك أنه لَمّا دخل منزل زيد، فرأى الستر فيه
صورٌ ذكّر بسرٌ عبيدَ الله الخولانيّ بالحديث الذي حدّثهم به زيد، عن أبي
طلحة، صاحب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الذي سمع من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قوله: "لا تدخل
الملائكة بيتًا فيه صورة"، وكان أبو طلحة -رضي الله عنه- قد ذَكَرَ مع ذلك، متّصلًا به
قوله -صلى الله عليه وسلم-: "إلا رقمًا في ثوب"، فاستثنى المرقوم من الصور، فحصل منه أن
الملائكة لا تمتنع من دخول بيت فيه صورة مرقومة.
ومن هنا: فَهِم القاسم بن محمد جواز اتخاذها في البيوت مطلقًا، كما
حكيناه عنه ترجيحًا لهذا الحديث على حديث عائشة، أو نَسخًا له، وفيه بُعْدٌ،
والجمهور على المنع، فمنهم من مَنَعه تحريمًا، وهو مذهب ابن شهاب ترجيحًا
لحديث عائشة على حديث زيد، والجمهور حملوه على الكراهة، وهو الأَولى
إن شاء الله؛ إذ ليس نصّا في التحريم، فأقل ما يُحمل ما ظهر منه على
الكراهة، وحديث زيد لا يقتضي الجواز، إنَّما مقتضاه: أن الملائكة تدخل
البيت الذي فيه الصور المرقومة بخلاف الصور ذوات الظل؛ فإنَّها لا تدخل بيتًا
هي فيه، وهذا وجه حسن؛ غير أنَّه تكدَّر بما رواه أبو داود من حديث أبي
هريرة قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "أتاني جبريل عليه السَّلام، فقال لي: أتيتك البارحة،
فلم يمنعني أن أكون دخلت إلا أنه كان على الباب تماثيل، وكان في البيت
قِرام فيه صور، وكان في البيت كلب"، وذكر الحديث، وهذا يدلّ دلالة
واضحة أن الملائكة لا تدخل بيتًا فيه صورة مرقومة، وعند هذا يتحقق
التعارض، والمخفص منه الترجيح، ولا شك في ترجيح حديث مسلم،