(فَأَلْقَاهَا)؛ أي: العصا، (مِنْ يَدِهِ) -صلى الله عليه وسلم-، ولعله ألقاها تأسّفًا على تأخّر
جبريل عليه السَّلام من وعده. (وَقَالَ) -صلى الله عليه وسلم-: ("مَا يُخْلِفُ اللهُ وَعْدَهُ، وَلَا رُسُلُهُ") ومنهم
جبريل عليه السَّلام أي: إلا لسبب يوجب الخلف، (ثُمَّ الْتَفَتَ) -صلى الله عليه وسلم- (فَإِذَا جِرْوُ كَلْبٍ)
"إذا" هي الفجائيّة؛ أي: ففاجأه وجود جرو كلب، و"الْجِرْو" بتثليث الجيم،
وإسكان الراء، آخره واو، قال المجد رحمهُ اللهُ: الْجُرْوُ مثلثةً: صغير كلّ شيء حتى
الحنظل، والبطّيخ، ونحوه، ووَلَدُ الكلب، والأسد. انتهى (?).
وقال الفيّوميّ رحمهُ اللهُ: الْجرْوُ بالكسر: وَلَدُ الكلب، والسباع، والفتح،
والضم لغةٌ، قال ابن السِّكِّيت: والكسر أفصح، وقال في "البارع": الجِرْو:
الصغير من كل شيء، والجِرْوَة أيضًا: الصغيرة من القثاء، شُبِّهت بصغار أولاد
الكلاب؛ لِلِينها، ونعومتها، والجمع: جِرَاءٌ، مثل كِتَاب، وأَجْرٍ، مثل أَفْلسٍ.
انتهى (?).
(تَحْتَ سَرِيرِهِ) هكذا في بعض النسخ بالضمير، وفي بعضها: "تحت
سرير" بلا ضمير، (فَقَالَ) -صلى الله عليه وسلم- ("يَا عَائِشَةُ مَتَى دَخَلَ هَذَا الْكَلْبُ هَا هُنَا؟ ")؛ أي:
تحت السرير، (فَقَالَتْ: وَاللهِ مَا دَريتُ) بفتح الدال، والراء، من باب ضرب؛
أي: ما علمت وقت دخوله، (فَأَمَرَ بِهِ) ببناء الفعل للفاعل؛ أي: أمر النبيّ -صلى الله عليه وسلم-
بذلك الجرو أن يُخَرج، (فَأُخْرِجَ) بالبناء للمفعول، (فَجَاءَ جِبْرِيلُ) عليه السَّلام (فَقَالَ
رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-) لجبريل ("وَاعَدْتَنِي)؛ أي: بأن تأتيني في الوقت الفلانيّ،
(فَجَلَسْتُ لَكَ)؛ أي: لأجل لقائك، (فَلَمْ تَأْتِ")؛ أي: فما السبب في عدم
إتيانك؟ (فَقَالَ) جبريل عليه السَّلام مبيّنًا سبب عدم إتيانه: (مَنَعَنِي الْكَلْبُ)؛ أي: الجرو
(الَّذِي كَانَ فِي بَيْتِكَ) ثم بيّن له أن هذا ليس خاصًّا به، بل جميع الملائكة
كذلك، فقال: (إِنَّا) معشر الملائكة (لَا نَدْخُلُ بَيْتًا فِيهِ كلْبٌ، وَلَا صُورَةٌ) قال
الطيبيّ رحمهُ اللهُ: من حقّ الظاهر أن تكرّر "لا"، فيقال: لا كلبٌ، ولا صورة،
ولكن لَمّا وقع في سياق النفي جاز؛ كقوله تعالى: {وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلَا
بِكُمْ} [الأحقاف: 9]، وفيه من التأكيد أنه لو لم تُذكر "لا" لاحتمل أن المنفيّ
الجمع بينهما، نحو قولك: ما كلّمتُ زيدًا ولا عمرًا، ولو حذفت "لا" جاز أن