والحديث من أفراد المصنّف -رَحِمَهُ اللهُ-، وقد مضى شرحه، وبيان مسائله في
الحديث الذي قبله، ولله الحمد والمنّة.
[خاتمة]: زعم بعضهم أن قوله: "واجتنبوا السواد" مُدْرَج في الحديث؛
وحجتهم في ذلك ما في "مسند أحمد" من أن زهير بن معاوية سأل أبا الزبير لَمّا
حدّثه بهذا الحديث قال: قلت لأبي الزبير: قال: "جنّبوه السواد"؟ قال: لا.
وهذا القول مردود؛ لأمور:
[الأول]: أن الأصل في ألفاظ الحديث عدم الإدراج؛ إذ لا دليل عليه
إلا الحكاية المذكورة، وليست هي دليلاً عليه؛ إذ غايتها أن يقال: إن أبا الزبير
قد نسي حين حدّث زهيراً، وكم من محدّث قد نسي حديثه بعدما حدّث به،
وهذا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "رحم الله فلاناً لقد أذكرني آية، كنت أُنسيتها"،
رواه مسلم، وقد صرّح الحافظ في "النخبة" أن الصحيح أنه لا يُردّ الحديث
لنسيان الشيخ إلا أن يقول: كذب عليّ، لم أحدّث بهذا.
[الثاني]: أنه قد تابع ابن جُريج ليث بن أبي سُليم عند أحمد، وابن
ماجه، وهو وإن كان مختلطاً، لكنه يصلح في المتابعة والشواهد، كما صرّح به
مسلم في مقدّمة "صحيحه".
[الثالث]: أن للحديث شاهداً صحيحاً، قال الإمام أحمد -رَحِمَهُ اللهُ- في
"مسنده":
(12656) - ثنا محمد بن سلمة الحرّانيّ، عن هشام، عن محمد بن
سيرين قال: سئل أنس بن مالك عن خِضاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقال: إن
رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يكن شابَ إلا يسيراً، ولكن أبا بكر وعمر بعده خَضبا بالحنّاء
والكتم، قال: وجاء أبو بكر بأبيه أبي قحافة إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم فتح مكة
يحمله، حتى وضعه بين يدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأبي بكر:
"لو أقررت الشيخ في بيته لأتيناه" تكرمةً لأبي بكر، فأسلم، ولحيته، ورأسه
كالثَّغَامة بياضاً، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "غَيِّروهما، وجنِّبوه السواد" (?). انتهى (?).