قال النوويّ -رَحِمَهُ اللهُ-: ويحرم خضابه -يعني: الشيب- بالسواد على الأصح،

وقيل: يكره كراهة تنزيه، والمختار التحريم؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم -: "واجتنبوا السواد"،

هذا مذهبنا.

وقال في "الفتح" عند قوله: "إن اليهود، والنصارى لا يصبغون،

فخالفوهم" ما نصّه: هكذا أطلق، ولأحمد بسند حسن عن أبي أمامة - رضي الله عنه -،

قال: "خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على مشيخة من الأنصار، بِيضٍ لحاهُم، فقال: يا

معشر الأنصار حمّروا، وصفّروا، وخالفوا أهل الكتاب"، وأخرج الطبرانيّ في

"الأوسط" نحوه من حديث أنس - رضي الله عنه -، وفي "الكبير" من حديث عتبة بن

عبد - رضي الله عنه -: "كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يأمر بتغيير الشيب، مخالفة للأعاجم".

وقد تمسَّك به من أجاز الخضاب بالسواد.

قال الجامع عفا الله تعالى عنه: هذا عجيب، وكيف يصحّ الاحتجاج بهذا

الحديث المطلق؟ ، وقد قُيّد في الحديث الذي قبله بقوله: "حمِّروا، وصفِّروا"،

وثبت الأمر باجتناب الخضاب بالسواد حيث قال - صلى الله عليه وسلم -: "واجتنبوا السواد".

قال: من العلماء من رخَّص فيه -أي: الخضاب بالسواد- في الجهاد،

ومنهم من رخص فيه مطلقاً، وأن الأَولى كراهته، وجنح النووي إلى أنه كراهة

تحريم.

وقد رخص فيه طائفة من السلف، منهم سعد بن أبي وقاص، وعقبة بن

عامر، والحسن، والحسين، وجرير، وغير واحد، واختاره ابن أبي عاصم في

"كتاب الخضاب" له، وأجاب عن حديث ابن عباس رفعه: "يكون قوم

يخضبون بالسواد، لا يجدون ريح الجنة"، بأنه لا دلالة فيه على كراهة

الخضاب بالسواد، بل فيه الإخبار عن قوم، هذه صفتهم، وعن حديث

جابر - رضي الله عنه -: "جنِّبوه السواد" بأنه في حق من صار شيب رأسه مستبشَعاً، ولا

يطّرد ذلك في حقّ كل أحد. انتهى.

قال الحافظ: وما قاله خلاف ما يتبادر من سياق الحديثين، نعم يشهد له

ما أخرجه هو، عن ابن شهاب قال: كنا نخضب بالسواد، إذ كان الوجه

جديداً، فلما نغض الوجه، والأسنان تركناه.

قال الجامع عفا الله تعالى عنه: هذا عجيب من الحافظ، كيف يستشهد

طور بواسطة نورين ميديا © 2015