على هذه القاعدة تجويز جذب واحد من الصفّ الأول ليصلي معه؛ ليخرج
الجاذب عن أن يكون مصليًا خلف الصفّ وحده؛ لثبوت الزجر عن ذلك، ففي
مساعدة المجذوب للجاذب إيثار بقربة كانت له، وهي تحصيل فضيلة الصفّ
الأول؛ ليحصل فضيلة تحصل للجاذب، وهي الخروج من الخلاف في بطلان
صلاته.
ويمكن الجواب بأنه لا إيثار؛ إذ حقيقة الإيثار إعطاء ما استحقه لغيره،
وهذا لَمْ يُعطِ الجاذب شيئًا، وإنما رجَّح مصلحته على مصلحته؛ لأنَّ مساعدة
الجاذب على تحصيل مقصود ليس فيه إعطاؤه ما كان يحصل للمجذوب لو لَمْ
يوافقه، والله أعلم. انتهى (?).
قال الجامع عفا الله عنه: لَمْ يثبت في الجذب المذكور حديث، وما ورد
من ذلك فضعيف، فلا ينبغي الجذب، ولا موافقة الجاذب فيه، بل ينتظر حتى
يأتي آخر، وإلا صلّى وحده؛ للضرورة، قال الله تعالى: {وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ} [الأنعام: 119]، فتنبّه، وقد استوفيت البحث فيه
في محلّه، والله تعالى أعلم.
وقد لخّص النوويّ - رَحِمَهُ اللهُ - فوائد هذا الحديث، أحببت إيراده، وإن كان
تقدّم؛ لتلخيصه، قال: تضمَّن بيان هذه السُّنَّة، وهي أن الأيمن أحقّ، ولا يدفع
إلى غيره إلَّا بإذنه، وأنه لا بأس باستئذانه، وأنه لا يلزمه الإذن، وينبغي له
أيضًا أن لا يأذن إن كان فيه تفويت فضيلة أخروية، ومصلحة دينية، كهذه
الصورة، وقد نَصّ أصحابنا وغيرهم من العلماء على أنَّه لا يُؤثِر في القُرَب،
وإنما الإيثار المحمود ما كان في حظوظ النفس دون الطاعات، قالوا: فيكره
أن يؤثِر غيره بموضعه من الصفّ الأول، وكذلك نظائره، وأما الأعرابيّ فلم
يستأذنه مخافة من إيحاشه في استئذانه في حرفه إلى أصحابه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وربما سبق
إلى قلب ذلك الأعرابيّ شيء يهلك به؛ لقُرْب عهده بالجاهلية وأَنَفَتها، وعدم
تمكّنه في معرفته خُلُق رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وقد تظاهرت النصوص على تالّفه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
قلب من يخاف عليه.