(فَشَرِبَ حَتَّى رَضِيتُ) قال القرطبيّ - رَحِمَهُ اللهُ -: أي حتى رَوِيَ، فرضيت رَيَّه، وكأنَّه
شقَّ عليه ما كان فيه من الحاجة إلى اللَّبن، فلمَّا شرب، وزال عنه ذلك رضي
به، وفي رواية أخرى: "فأرضاني"، والمعنى واحد. انتهى (?).
وقال النوويّ - رَحِمَهُ اللهُ -: معناه: شَرِب حتى عَلِمت أنه شرب حاجته، وكفايته.
انتهى (?).
وقال في "الفتح": قوله: "حتى رضيتُ" هذا يُشعرة بأنه أمعن في
الشرب، وعادتُهُ المألوفةُ كانت عدم الإمعان. انتهى (?).
[تنبيه]: قال النوويّ - رَحِمَهُ اللهُ -: وأما شربه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من هذا اللبن، وليس صاحبه
حاضرًا؛ لأنه كان راعيًا لرجل من أهل المدينة، كما جاء في الرواية الأخري،
وقد ذكرها مسلم في آخر الكتاب، والمراد بالمدينة هنا مكة، وفي رواية:
لرجل من قريش، فالجواب عنه من أوجه:
أحدهما: أن هذا كان رجلًا حربيًّا لا أمان له، فيجوز الاستيلاء على
ماله.
والثاني: يَحْتَمِل أنه كان رجلًا يُدْلِ عليه النبيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ولا يَكْرَه شربه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من لبنه.
والثالث: لعله كان في عُرفهم مما يتسامحون به لكل أحد، ويأذنون
لرعاتهم ليسقوا من يمرّ بهم.
والرابع: أنه كان مضطرًّا. انتهى (?).
قال الجامع عفا الله عنه: أقرب الأجوبة عندي هو الثالث، وما عداه فلا
يخلو من نظر، والله تعالى أعلم.
وقال القرطبيّ - رَحِمَهُ اللهُ -: وقد يقال: كيف أقدم أبو بكر على حَلْب ما لَمْ
يؤذن له في حلبه؟ وكيف شرب رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذلك اللَّبن، ولم يكن مالكه