المدينة (?)، قلت: أفي غنمك لبن؟ قال: نعم، قلت: أفتحلُب لي؟ قال: نعم،
فأخذ شاة، فقلت له: انفُض الضرع من الشعر والتراب والقَذَي، قال: فرأيت
البراء يضرب بيده على الأخرى ينفض، فحلب لي في قَعْب معه كُثْبةً من لبن،
قال: ومعي إداوة أرتوي فيها للنبيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؛ ليشرب منها، ويتوضأ، قال: فأتيت
النبيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وكَرِهت أن أوقظه من نومه، فوافقته استيقظ، فصببت على اللبن من
الماء حتى بَرَدَ أسفله، فقلت: يا رسول الله اشرب من هذا اللبن، قال: فشَرِب
حتى رَضِيتُ، ثم قال: "ألم يَأْنِ للرحيل؟ " قلت: بلي، قال: فارتحلنا بعدما
زالت الشمس، واتبعَنا سراقة بن مالك، قال: ونحن في جَلَد (?) من الأرض،
فقلت: يا رسول الله أُتِينا، فقال: {لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا}، فدعا عليه
رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فارتطمت فرسه إلى بطنها - أُرَى - فقال: إني قد علمت أنكما
قد دعوتما عليّ، فادعوا لي، فالله لكما أن أرد عنكما الطلب، فدعا الله،
فنَجَي، فرجع لا يلقى أحدًا إلَّا قال: قد كُفيتكم ما ها هنا، فلا يلقى أحدًا إلَّا
ردّه، قال: ووفى لنا. انتهى.
(فَأَتْبَعَهُ)؛ أي: اتّبع النبيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (سُرَاقَةُ بْنُ مَالِكِ بْنِ جُعْشُمٍ) - بضم الجيم،
والشين المعجمة، وإسكان العين بينهما - ويقال: بفتح الشين، حكاه الجوهريّ في
"الصحاح" عن الفرّاء، والصحيح المشهور ضمّها، وهو أبو سفيان الكنانيّ، ثم
الْمُدلِجيّ الصحابيّ المشهور، من مسلمة الفتح، ومات في خلافة عثمان - رضي الله عنهما - سنة
أربع وعشرين، وقيل: بعدها، وتقدّمت ترجمته في "كتاب الحجِّ" 17/ 2943.
وفي رواية إسرائيل: "فارتحلنا، والقوم يطلبوننا، فلم يُدركنا غير سُراقة بن
مالك بن جُعْشُم".
(قَالَ) البراء عن أبي بكر - رضي الله عنهما - (فَدَعَا عَلَيْهِ)؛ أي: على سُراقة،
(رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَسَاخَتْ فَرَسُهُ) - بالسين المهملة، وبالخاء المعجمة - ومعناه:
نزلت في الأرض، وقبضتها الأرض، وكان في جَلَد من الأرض، كما جاء في
الرواية الأخرى. (فَقَالَ) سراقة (ادْعُ اللهَ لِي) هكذا في بعض النسخ: "ادع الله"