وقوله: "أو كالخمر ... إلخ" فيه أيضًا نظر لا يخفى؛ إذ هذا تأويل
سخيف، مضادّ لِمَا صحّ أنه -صلى الله عليه وسلم-، وصحابته -رضي الله عنهم- أطلقوا عليه اسم الخمر دون
تأويل، فتبصّر بالإنصاف، ولا تكن أسير التقليد، والله تعالى المستعان.
وقال ابن العربيّ رحمه الله: من زعم أن قوله: "كل مسكر خمر" معناه: مثل
الخمر؛ لأن حذف "مثل" في مثله مسموع شائع، فقد وَهِمَ، قال: بل الأصل
عدم التقدير، ولا يصار إلى التقدير إلا لحاجة، ولا يقال: احتجنا إليه؛ لأن
المصطفى -صلى الله عليه وسلم- لم يُبعث لبيان الأسماء، قلنا: بل بيان الأسماء من جملة
الأحكام لمن لم يعلمها.
وقال الطيبيّ: فيه دليل على جواز القياس باطراد العلّة، وقال في
"الفائق": قول نُعمان: الخمر كل ما أسكر، فغيره حلال طاهر، رُدَّ بخبر: "كلُّ
مسكر خمر"، إن من الحنطة خمرًا، الخمر من هاتين الشجرتين، فالخمر في
الكل حقيقة شرعية أو مجاز في الغير فيلزم النجاسة والتحريم. انتهى (?).
قال الجامع عفا الله عت: قد عرفت فيما أسلفته الآن أن قوله: "أو
مجاز ... إلخ" غير صحيح، فتنبّه والله تعالى وليّ التوفيق.
(وَكُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٍ) قال النوويّ رحمه الله: فيه تصريح بتحريم جميع الأنبذة
المسكرة، وأن كلها تسمى خمرًا، سواء في ذلك الفضيخ، ونبيذ التمر،
والرُّطَب، والبُسْر، والزبيب، والشعير، والذُّرَة، والعسل، وغيرها، هذا
مذهبنا، وبه قال مالك، وأحمد، والجماهير من السلف، والخلف. انتهى.
(وَمَنْ شَرِبَ الْخَمْرَ فِي الدُّنْيَا فَمَاتَ، وَهُوَ يُدْمِنُهَا، لَمْ يَتُبْ لَمْ يَشْرَبْهَا فِي
الآخِرَةِ") وفي الرواية الآتية: "حُرِمها في الآخر"؛ أي: مُنع شربها.
قال الخطابيّ، والبغويّ في "شرح السُّنَّة": معنى الحديث: لا يدخل
الجنة؛ لأن الخمر شراب أهل الجنة، فإذا حُرم شربها دلّ على أنه لا يدخل
الجنة. وقال ابن عبد البرّ: هذا وعيد شديد يدل على حرمان دخول الجنة؛
لأن الله تعالى، أخبر أن في الجنة أنهار الخمر لذة للشاربين، وأنهم لا
يُصَدَّعون عنها ولا يُنْزِفون، فلو دخلها وقد علم أن فيها خمرًا، أو أنه حُرِمَها