البحر"، أي: تضطرب، وَيدْفَع بعضها بعضًا، وكلُّ شيء اضطرب، فقد ماج، ومنه قوله تعالى: {وَتَرَكْنَا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ} الآية [الكهف: 99]، وشبّهها بموج البحر؛ لشدة عظمها، وكثرة شيوعها (?).

وقال في "الفتح": قوله: "تموج كموج البحر": أي: تضطرب اضطرابَ البحر عند هَيَجَانه، وكَنَى بذلك: عن شِدّة المخاصمة، وكثرة المنازعة، وما ينشأ عن ذلك من المشاتمة والمقاتلة. انتهى.

(قَالَ حُذَيْفَةُ) - رضي الله عنه - (فَأَسْكَتَ الْقَوْمُ) بقطع الهمزة المفتوحة، قال جمهور أهل اللغة: سَكَت، وأسكت لغتان، بمعنى صَمَتَ، وقال الأصمعيّ: سكت القوم: صَمَتُوا، وأسكتوا: أطرقوا، قال الهرويّ: ويكون سكت بمعنى سكن، ومنه قوله تعالى: {وَلَمَّا سَكَتَ عَنْ مُوسَى الْغَضَبُ} الآية [الأعراف: 154]، وبمعنى انقطع، تقول العرب: جرى الوادي ثلاثًا، ثم سكت؛ أي: انقطع، ويقال: هو السكوتُ، والسُّكَاتُ، وسَكَتَ يَسكُتُ سَكْتًا وسُكُوتًا وسُكَاتًا.

وإنما سكت القوم؛ لأنهم لم يكونوا يحفظون هذا النوع من الفتنة، وإنما حفظوا النوع الأول (?).

قال حذيفة - رضي الله عنه - (فَقُلْتُ: أَنَا) مبتدأ حُذف خبره لدلالة السؤال عليه، أي: أنا أحفظها (قَالَ: أَنْتَ) مبتدأ محذوف الخبر أيضًا مع أداة الاستفهام، أي: أأنت تحفظها، والاستفهام تعجّبيّ، وقوله: (لِلَّهِ أَبُوكَ؟ ) كلمةُ مَدْحٍ، تَعْتاد العرب الثناء بها، فإن الإضافة إلى العظيم تشريف، ولهذا يقال: بيتُ الله، وناقةُ الله، قال صاحب "التحرير": فإذا وُجِدَ من الولد ما يُحْمَد، قيل له: لله أبوك، حيث أتى بمثلك. انتهى.

وفي رواية الأعمش، عن شقيق الآتية في "الفتن": "قال: فقلت: ما لك ولها يا أمير المؤمنين؟ إنَّ بينك وبينها بابًا مُغلقًا"، أي: لا يَخرُج منها شيء في حياتك.

قال ابن الْمُنَيِّر: آثر حذيفة - رضي الله عنه - الحرصَ على حفظ السرّ، ولم يُصَرِّح

طور بواسطة نورين ميديا © 2015