قال الجامع عفا الله تعالى عنه: مسألة الأمر بعد الحظر، قيل: للإباحة؛

لِتبادُره إلى الذهن، وقيل: للوجوب حقيقةً؛ لأن الصيغة تقتضيه. وقيل:

بالتفصيل، فما كان قبل الحظر واجبًا كان للوجوب، كما في قوله تعالى: {فَإِذَا

انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ} الآية [التوبة: 5]، فإنَّه كان واجبًا قبل تلك

المدة، فاستمرّ كذلك بعدها، وإلا كان للإباحة، كما في قوله تعالى: {وَإِذَا

حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا} الآية [المائدة: 2]، وهذا القول هو الأرجح عندي (?)، وقد

اختاره شيخ الإسلام ابن تيميّة رحمه اللهُ في "المسوّدة" (?)، والحافظ ابن كثير رحمه اللهُ

في "تفسيره" (?) عند قوله تعالى: {وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا} [المائدة: 2]، وإلى

الاختلافات المتقدّمة أشار السيوطيّ رحمه اللهُ في "الكوكب الساطع" بقوله:

فَإنْ أَتَى افْعَلْ بَعْدَ حَظْرٍ دَانِي ... قَالَ الإِمَامُ أَوِ الاسْتِئْذَانِ

فَلِلإِبَاحَةِ وَقِيلَ الْحَتْمِ ... وَقِيلَ مَا قَدْ كَانَ قَبْلَ الْحِرْمِ

وقد نظمت القول الراجح عندي في "التحفة المرضيّة"، فقلت:

إِنْ وَرَدَ الْحَظْرُ بُعَيْدَ النَّهْي قَدْ ... يُفِيدُ مَا كَانَ قُبَيْلُ يُعْتَمَدْ

مِنْ نَدْبٍ اوْ وَجُوبٍ اوْ إِباحَةِ ... بِذَا يَقُولُ جِلَّةُ الأَئِمَّةِ

وَهْوَ الَّذِي إِلَيْهِ يَنْحُو السَّلَفُ ... حُجَجُهُ كَالشَّمْسِ ظُهْرًا تُعْرَفُ

وقول الطبريّ: "جميع أئمة الأمصار ... إلخ" فيه نظر، فقد تقدّم أن ابن

حزم قال بالوجوب، وقد نقله عن بعض السلف، فليس هناك إجماع.

والحاصل أن الأرجح استحباب كل: من الأكل، والصدقة، والادّخار؛

لوضوح حجّته، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

وبالسند المتّصل إلى المؤلّف رحمه اللهُ أوّل الكتاب قال:

[5096] (1972) - (حَدَّثنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، قَالَ: قَرَأتُ عَلَى مَالِكٍ، عَنْ

أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ، عَنِ النَبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - أنَّهُ نَهَى عَنْ أَكْلِ لُحُومِ الضَّحَايَا بَعْدَ ثَلَاثٍ،

ثُمَّ قَالَ بَعْدُ: "كُلُوا، وَتَزَوَّدُوا، وَادَّخِرُوا").

طور بواسطة نورين ميديا © 2015