قال القاضي عياض: وقد رَدّ بعضهم على الخطابيّ قوله: إنه من أران
القومُ: إذا هلكت مواشيهم؛ لأن هذا لا يتعدى، والمذكور في الحديث متعدّ
على ما فسّره، ورَدّ عليه أيضًا قوله: إنه أَأْرِنْ؛ إذ لا تجتمع همزتان إحداهما
ساكنة في كلمة واحدة، وإنما يقال في هذا: أيرن بالياء.
قال القاضي: وقال بعضهم: معنى أَرْنِي بالياء: سيلان الدم، وقال بعض
أهل اللغة: صواب اللفظة بالهمزة، والمشهور بلا همز، والله أعلم. انتهى (?).
وقال القرطبيّ رحمه الله: هذا الحرف وقع في كتاب البخاريّ، ومسلم، وأبي
داود، واختَلَف الرواة في تقييده على أربعة أوجه:
[الأول]: قيّده النسفيّ، وبعض رواة البخاريّ: "أَرِنْ" بكسر الراء،
وسكون النون، مثل أَقِمْ.
[الثاني]: قيّده الأصيليّ: "أَرِنِي" بكسر النون، بعدها ياء المتكلّم.
[الثالث]: قيّده بعض رُواة مسلم كذلك، إلا أنه سكن الراء.
[الرابعٍ]: قيّده في كتاب أبي داود بسكون الراء، ونون مطلقة، هذه
التقييدات المنقولة. قال الخطّابيّ: وطالما استثبتُّ فيه الرواة، وسألت عنه أهل
العلم، فلم أجد عند أحد منهم ما يُقطع بصحّته.
قال القرطبيّ: قال بعض علمائنا في الوجه الأول: هو بمعنى قد أنشط،
وأسرع، فهو بمعنى أَعْجِل، فكأنه يشير إلى أنه شكٌّ وقع من أحد الرواة في أيّ
اللفظين قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.
قال القرطبيّ: وهذه غفلة؛ إذ لو كان من الأرَن الذي بمعنى النشاط،
لَلَزم أن يكون مفتوح الراء؛ لأن ماضيه أَرِنَ، ومضارعه يأرَنُ، قال الفرّاء:
الأَرَنُ النشاط، يقال: أَرِنَ البعيرُ بالكسر يأْرَنُ بالفتح أَرَنًا: إذا مَرِح مَرَحًا، فهو
آرنٌ؛ أي: نشيطٌ، وقياس الأمر من هذا أن تُجتلَبَ له همزة الوصل مكسورة،
وتفتح الراء، فيقال: ائْرَنْ، مثل "ائذن"، من أَذِنَ يأذَنُ، ولم يُروَ كذلك.
وأما تقييد الأصيليّ، فقال بعضهم: يكون بمعنى أَرِني سيلان الدم. قال
القرطبيّ: وعلى هذا فيبعُد أن تكون "أو" للشكّ، بل للجمع بمعنى الواو على