[الكوثر: 2]، قال بعض أهل التفسير: المراد به الأضحية، بعد صلاة العيد، وأما السُّنَّة، فما رَوَى أنس - رضي الله عنه -، قال: "ضحى النبيّ - صلى الله عليه وسلم - بكبشين، أملحين، أقرنين، ذبحهما بيده، وسمّى، وكبّر، ووضع رجله على صفاحهما"، متفق عليه، والأملح: الذي فيه بياض وسواد، وبياضه أغلب، قال الكسائي: وقال ابن الأعرابي: وهو النقي البياض، قال الشاعر [من الرجز]:
حَتَّى اكْتَسَى الرَّأْسُ قِنَاعًا أَشْيَبَا ... أَمْلَحَ لَا لَذًّا وَلَا مُحَبَّبَا
وأجمع المسلمون على مشروعية الأضحية. انتهى كلام ابن قُدامة - رحمه الله - (?).
وقد كتب صاحب "التكملة" هنا كلامًا نفيسًا في مشروعيّة الأضحيّة، فقال بعد ذكر انحرافات أهل الملل في ذلك ما حاصله: وليست الأضحيّة في الإسلام إلا عبادة للتقرّب إلى الله تعالى شرعها الله تعالى رمزًا لامتثال العبد بأوامر الله - سبحانه وتعالى -، واستسلامًا كاملًا لِمَا يُحبّه ويرضاه، وهي علامة كون العبد يخضع لأمر الله تعالى في المنشط والمكره، سواء كان ذلك الأمر يوافق عقله، أو يخالفه، وسواء كان يلائم هواه، أو يعارضه.
قال: وبهذا تظهر رداءة قول من أنكر مشروعيّة الأضحيّة من الملحدين في عصرنا على أساس أن هذا الفعل لا فائدة فيه في الاقتصاد الاجتماعيّ، وأنه يؤدّي إلى إضاعة الأموال دون طائل، وإهراق الدماء بدون عائدة - والعياذ بالله -.
ومن نظر في حقيقة الأضحيّة ظهر له فساد هذا القول بالبداهة؛ فإن الأضحيّة إنما شُرعت تدريبًا على الامتثال لأمر الله تعالى في كلّ حال، مهما بَعُد ذلك الأمر عن موافقة العقل البشريّ المحدود، ومهما شعر فيه هذا العقل ضررًا أو نقصانًا في الظاهر، فمن شَرَع يبحث فيها عن فوائد اقتصاديّة، ومنافع ماديّة، فإنه جهل حقيقة الأضحيّة، وقَلَب موضوعها ظهرًا لبطن، وإن أعظم أضحيّة تُقُدّم بها إلى الله تعالى أضحيّة إبراهيم الخليل - عليه السلام -، فإنه أُمر بتضحية ولده المعصوم، ولم يكن في هذا الأمر أيّة مصلحة في الظاهر، فإنه كان عند ظاهر العقل ظلمًا من الأب على ابنه الصغير الذي لم يرتكب خطيئة، ولا