وأكله، وشربه، فالطيور التي لها مناقير معوجّة تأكل اللحم، والتي لها مناقير مستقيمة ترعى الحشيش ونحوه، وكذلك الحيوانات التي ترعى العشب، ولا تأكل اللحم لها أضراس مدوّرة، وليس لها أنياب إلا نادرًا، كالبقر، والغنم، والإبل، والفرس، وأما الحيوانات التي تأكل اللحم فإن أضراسها عريضة، وليست مدوّرة، ولها أنياب حادّة، مثل جميع السباع.

وإذا رأينا الإنسان على هذا العيار فإن له أضراسًا عريضةً، وأنيابًا حادّة، وهذا يدلّ على أن فطرته تقتضي أكل اللحم، دون الاقتصار على الخضروات والمزروعات.

ونظرًا إلى هذه الأمور الفطريّة للإنسان أباح الله - سبحانه وتعالى - لحم الحيوانات الطيّبة، وحرّم عليه منها ما يضرّ الصحّة الجسميّة، أو الروحيّة، أو النفسيّة، أو الخُلقيّة.

ثم الحيوانات الطيّبة إنما أبيح لحومها إذا وقعت تذكيتها بطريق مشروعٍ، فإن الحيوانات التي تموت طبعًا، أو التي تموت بالخنق، أو الوقذ تحتبس دماؤها في أعضائها، فتتنجّس أعضاؤها، فإن أكل لحمها أورث أمراضًا جسميّةً، أو نفسيّةً، أو خلقيّة.

فهذا هو السرّ في مشروعيّة الذبح والنحر، وطُرُق الذكاة الأخرى، فإنها تُنهر الدم من جسم الحيوان، وتفيضها إلى الخارج بما يجعل لحمها طاهرًا من أوساخها، فيطيب اللحم للآكل.

وإن أفضل هذه الطرق هو الذبح والنحر، فإن إنهار الدم فيهما أكمل، وإزهاق الروح بهما أسهل، فأوجبت الشريعة في الأحوال الاختياريّة أن يكون قتل الحيوان بهذا الطريق المشروع فقط، فاشتُرِط في الحيوانات الأليفة أن تُذبح، أو تُنحر لقطع عروقها، وأما في الحيوانات الشاردة التي لا تقع تحت اختيار الإنسان، فاكتَفَى الشرع بمجرّد إنهار الدم بآلة محدودة، سواء كان هذا الإنهار عن طريق حلقومها، أو عن طريق غيرها من الأعضاء.

ثم إن إنهار الدم طريق لتطهير ظاهر الحيوان، وشَرَع الله تعالى مع ذلك ما يُطهّر باطنه، وذلك ذِكْر اسم الله تعالى عليه من قبل الذابح، أو الصائد، واشترط أن يكون مسلمًا، أو كتابيًّا؛ لأنّ ذِكر غيرهما غير معتبَر شرعًا، فلا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015