والجواب أن حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - مشروط بعدم تضرّر صاحب الجدار، فأما إذا تضرّر، فلا يجب عليه؛ لحديث: "لا ضرر، ولا ضِرَار" (?)، والضرر منا موجود؛ لأنه إذا ثُقب الجدار لمرور الماء لا يسذ ذلك الثقب شيء، فيتضرّر صاحبه بدخول الحيوانات، ونحوها فيه، بخلاف وضع الخشبة؛ لأنه لو ثُقب شيء منه لسدّته الخشبة.

وأيضًا حديث أبي هريرة - صلى الله عليه وسلم - خاصّ بالجار، وليس عنبسة جارًا لعبد الله بن عمرو - رضي الله عنهما -، والله تعالى أعلم.

وأخرجه النسائيّ من وجهين آخرين، وأبو داود، والترمذيّ، من وجه آخر كلهم عن عبد الله بن عمرو باللفظ المشهور، وفي رواية لأبي داود، والترمذيّ: "من أربد ماله بغير حقّ، فقاتل، فقُتِل فهو شهيد"، ولابن ماجة من حديث ابن عمر نحوه، ورَوَى الترمذيّ وبقية أصحاب السنن، من حديث سعيد بن زيد نحوه، وفيه ذكر الأهل، وفي حديث أبي هريرة عند ابن ماجة: "من أريد ماله ظلمًا، فقُتِل فهو شهيد".

قال النوويّ - رَحِمَهُ اللهُ -: فيه جواز قتل من قَصَدَ أخذ المال بغير حقّ، سواء كان المال قليلًا أو كثيرًا، وهو قول الجمهور، وشَذّ من أوجبه.

قال الجامع عفا الله عنه: القول بالشذوذ فيه نظر، كيف وظاهر النصّ يدلّ له، حيث قال - صلى الله عليه وسلم -: "لا تُعطه"، وقال أيضًا: "قاتله"، فإذا لَمْ يدلّ هذا النصّ على الوجوب، في الذي يدلُّ عليه؟ إن هذا لشيء عجيب! ! ! .

وَحَكى ابن المنذر - رَحِمَهُ اللهُ - عن الشافعيّ - رَحِمَهُ اللهُ - قال: من أريد ماله، أو نفسه، أو حريمه، فله الاختيار أن يكلمه، أو يستغيث، فإن مُنِعَ، أو امتَنَعَ لَمْ يكن له قتاله، وإلا فله أن يدفعه عن ذلك، ولو أتى على نفسه، وليس عليه عقلٌ، ولا ديةٌ، ولا كفارةٌ، لكن ليس له تعَمُّد قتله.

قال ابن المنذر - رَحِمَهُ اللهُ -: والذي عليه أهل العلم أن للرجل أن يدفع عما ذُكِر، إذا أريد ظلمًا بغير تفصيل، إلَّا أنّ كلَّ من يُحفَظُ عنه من علماء الحديث، كالمجمعين على استثناء السلطان؛ للآثار الواردة بالأمر بالصبر على جَوْره، وترك القيام عليه.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015