(المسألة الرابعة): في اختلاف أهل العلم في حكم دعوة المحاربين قبل القتال:

اختلفوا، هل يُدعون قبل القتال، أم لا؟ ، والمراد بالدعوة دعوة الإمام، أو نائبه قبل مقاتلتهم، وهذا في حال اعتصامهم، وتعذّر إقامة الحقّ عليهم دون قتال، فهم حينئذ كالبغاة الذين يجب على الإمام أن يُبيّن لهم، ويدعوهم إلى ترك ما هم عليه قبل مباشرة قتالهم، وهو رأي الجمهور، وذهب بعض أهل العلم من الحنفيّة وغيرهم إلى أنه يبدأ بقتالهم؛ لعلمهم بما سيدعوهم إليه.

وقد فصّل ابن رُشد - رَحِمَهُ اللهُ - القول في هذه المسألة لدى المالكيّة، فنقل عن مالك - رَحِمَهُ اللهُ - أنهم يُدْعَون، وعن سَحْنُون - رَحِمَهُ اللهُ - أنهم لا يُدعون، ثم قال: تكلّم سحنون على ما يُعْرَف من غالب أمرهم، وتكلّم مالك على قدر ما يُرجَى في النادر منهم، وذلك يَرْجِع إلى أنه إن رُجي إن دُعُوا، أو نُشِدوا أن يَكُفُّوا استُحِبَّ دعاؤهم، وترك معاجلتهم بالقتال، وإن تُيُقِّنَ ذلك وجب أن يُدْعَوا، وإن خيف إن دُعُوا أن يستأسِدُوا، ويعاجلوا المسلمين وجب أن لا يُدْعَوا، كما قال سحنون - رَحِمَهُ اللهُ -. انتهى (?).

قال الجامع عفا الله عنه: هذا الذي ذكره ابن رُشد - رضي الله عنه - من التفصيل حسنٌ جدًّا.

وحاصله أن دعوتهم يُنظر فيها إلى ما يترتّب من المصالح، فإن يُرجى رجوعهم عن غيّهم تُستحبّ دعوتهم، وإن غلب ذلك تجب، وإن كان يُخشى إلحاق الضرر بالمسلمين بتأخيرهم لأجل الدعوة وجب تركها، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو حسبنا ونعم الوكيل.

وبالسند المتّصل إلى الإمام مسلم بن الحجَّاج رحمه الله تعالى المذكور أولَ الكتاب قال:

[368] (141) - (حَدَّثَنِي الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ الْحُلْوَانِيّ، وَإِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ، وَمُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ، وَأَلْفَاظُهُمْ مُتَقَارِبَةٌ، قَالَ إِسْحَاقُ: أَخْبَرَنَا، وَقَالَ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015