القرآن العزيز قوله تعالى: {حَتَّى إِذَا هَلَكَ قُلْتُمْ لَنْ يَبْعَثَ اللَّهُ مِنْ بَعْدِهِ رَسُولًا} الآية [غافر: 34]. انتهى (?).
وقال القرطبيّ - رحمه الله -: معنى هذا الكلام أنّ بني إسرائيل كانوا إذا ظهر فيهم فساد، أو تحريفٌ في أحكام التوراة بعد موسى - عليه السلام - بعث الله تعالى لهم نبيًّا يُقيم لهم أمرهم، ويصلح لهم حالهم، ويزيل ما غُبّرَ، وبُدِّلَ من التوراة، وأحكامها، فلم يزل أمرهم كذلك، إلى أن قَتَلوا يحيى بن زكريا - عليهما السلام - فقطع الله تعالى مُلكهم، وَبَدَّدَ شملهم ببختنصَّر وغيره، ثم جاءهم عيسى - عليه السلام -، ثم محمد - صلى الله عليه وسلم -، فكذّبوهما {فَبَاءُوا بِغَضَبٍ عَلَى غَضَبٍ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ مُهِينٌ (90)} [البقرة: 90]، وهو في الدنيا ضَرْبُ الجزية، ولزوم الصَّغار والذلة، {وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَشَقُّ} [الرعد: 34]، ولمّا كان نبيُّنا - صلى الله عليه وسلم - آخر الأنبياء بعثًا، وكتابه لا يقبل التغيير أسلوبًا ونظمًا، وقد تَوَلَّى الله تعالى كلامه صيانةً وحفظًا، وجعل علماء أمته قائمين ببيان مشكله، وحفظ حروفه، وإقامة أحكامه، وحدوده، كما قال - صلى الله عليه وسلم -: "يَحْمِل هذا العلم من كل خَلَفٍ عُدُوله، يَنفون عنه تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين" (?)، ويروى عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "علماء أمتي كأنبياء بني إسرائيل" (?)، ولَمّا كان أمر هذه الأمّة كذلك؛ اكتُفِي بعلمائها عمَّا كان من توالي الأنبياء هنالك. انتهى (?).
وقال الطيبيّ: قوله: "تسوسهم" خبر "كان"، وقوله: (كُلَّمَا هَلَكَ نَبِيٌّ خَلَفَهُ نَبِيٌّ) حال من فاعل "تسوسهم؛ أي: كلما مات نبيّ أتى بعده نبيّ آخر، يقال: خلفت فلانًا على أهله، وماله، من باب نصر خِلافة: صرتُ خليفته،