مصدريّة، والمصدر المؤوّل مجرور بحرف جرّ مقدر؛ لأنَّ "أَمَر" يتعدى إلى المفعول الثاني به؛ أي: بالسمع، والطاعة. (وَإِنْ كَانَ عَبْدًا) اسم "كان" ضمير يعود إلى الأمير المفهوم من المقام؛ أي: وإن كان الأمير عبدًا (مُجَدَّعَ الأَطْرَافِ) اسم مفعول من التجديع، وهو التقطيع؛ أي: مقطّع الأطراف، وفي الرواية التالية: "عبدًا حبشيًّا، مجدّع الأطراف"، والمراد: أخسّ العبيد؛ أي: أسمع، وأطيع للأمير، وإن كان دنيء النسب، حتى لو كان عبدًا أسود، مقطوع الأطراف، فطاعته واجبة، وتُتصوّر إمارة العبد إذا ولّاه بعض الأئمة، أو إذا تغلّب على البلاد بشوكته وأتباعه، ولا يجوز ابتداء عَقْد الولاية له، مع الاختيار، بل شَرْطها الحريّة، قاله النوويّ (?).
وقال القرطبيّ - رَحِمَهُ اللهُ -: قوله: "وإن كان عبدًا حبشيًّا مجدَّع الأطراف" الْجَدْعُ: القطْع، وأصله في الأنف، و"الأطراف": الأصابع، وهذا مبالغة في وَصْف هذا العبد بالضَّعَة والْخِسّة؛ وذلك أن العبد إنما تُقطع أطرافه من كثرة العمل والمشي حانيًا، وهذا منه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على جهة الإغياء، على عادة العرب في تمكينهم المعاني وتأكيدها، كما قال النبيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "من بنى مسجدًا لله، ولو كمِفْحَصِ قطاةٍ بنى الله له بيتًا في الجنَّة" (?)، ومفحص القطاة لا يصلح أن يكون مسجدًا، وإنما هو تمثيل للتصغير على جهة الإغياء، فكأنَّه قال: أصغر ما يكون من المساجد، وعلى هذا التأويل لا يكون فيه حجة لمن استدلّ به على جواز تأمير العبد فيما دون الإمامة الكبرى" وَهُمْ بعض أهل الظاهر فيما أحسب، فإنه قد اتُّفِقَ على أنَّ الإمام الأعظم، لا بُدَّ أن يكون حرًّا؛ على ما يأتي. ونصَّ أصحاب مالك على أنَّ القاضي لا بُدَّ أن يكون حرًّا.
قال القرطبيّ: وأمير الجيش والحرب في معناه، فإنها مناصب دينية يتعلّق بها تنفيذ أحكام شرعية، فلا يصلح لها العبد؛ لأنه ناقصٌ بالرِّقِّ مَحْجُورٌ عليه، لا يَستقلُّ بنفسه، ومسلوبُ أهليةِ الشهادة والتنفيذ، فلا يصلح للقضاء، ولا للإمارة، وأظنّ أنَّ جمهور علماء المسلمين على ذلك، وقد وَرَدَ ذِكْر العبد في