(وَنَجْدَةٌ) - بفتح النون، وسكون الجيم -: القتال، والشجاعة، والشدّة. (فَفَرِحَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - حِينَ رَأَوْهُ)؛ أي: لظنّهم أنه - صلى الله عليه وسلم - يستعين بهم في قتال العدوّ، (فَلَمَّا أَدْرَكَهُ)؛ أي: النبيّ - صلى الله عليه وسلم - (قَالَ لِرَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: جِئْتُ لأَتَّبِعَكَ)؛ أي: أصير تابعًا لك، ومؤتمرًا بأمرك، لا أنه يريد اتّباعه في الدِّين بدليل قوله: لا. (وَأُصِيبَ) الغنيمة (مَعَكَ، قَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "تُؤْمِنُ بِاللهِ) (وَرَسُولهِ؟ ") - صلى الله عليه وسلم - بتقدير الاستفهام؛ أي: أتؤمن بالله تعالى ورسوله - صلى الله عليه وسلم -؟ (قَالَ) الرجل (لَا)؛ أي: لا أومن بهما، وإنما أتبعك لأجل تحصيل المال فقط. (قَالَ) - صلى الله عليه وسلم - ("فَارْجِعْ")؛ أي: إلى مكانك، (فَلَنْ أَستَعِينَ بِمُشْرِكٍ) هذا صريح في عدم مشروعيّة الاستعانة بالكافر، قال المهلب وغيره عند شرح قوله - صلى الله عليه وسلم -: "إن الله ليؤيّد الدِّين بالرجل الفاجر": لا يعارض هذا قوله - صلى الله عليه وسلم -: "لا نستعين بمشرك"، لأنه إما خاصّ بذلك الوقت، وإما أن يكون المراد به: الفاجر غير المشرك.
وأجاب عنه الشافعيّ بالأول، وحجة النَّسخ شهود صفوان بن أمية حُنينًا مع النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، وهو مشرك، وقصته مشهورة في المغازي، وأجاب غيره في الجمع بينهما بأوجه غير هذه:
منها: أنه - صلى الله عليه وسلم - تفرَّس في الذي قال له: "لا أستعين بمشرك" الرغبة في الإسلام، فردّه رجاء أن يُسلم، فصدق ظنه.
ومنها: أن الأمر فيه إلى رأي الإمام، وفي كل منهما نَظَر من جهة أنها نكرة في سياق النفي، فيحتاج مدّعي التخصيص إلى دليل.
وقال الطحاويّ: قصة صفوان لا تعارِض قوله: "لا أستعين بمشرك"؛ لأن صفوان خرج مع النبيّ - صلى الله عليه وسلم - باختياره، لا بأمر النبيّ - صلى الله عليه وسلم - له بذلك.
قال الحافظ: وهي تفرقة لا دليل عليها، ولا أثر لها، وبيان ذلك أن المخالف لا يقول به مع الإكراه، وأما الأمر فالتقرير يقوم مقامه. انتهى (?).
(قَالَتْ) - رضي الله عنه - (ثُمَّ مَضَى)؛ أي: ذهب الرجل إلى حاجته، (حَتَّى إِذَا كُنَّا) قال النوويّ - رحمه الله -: هكذا هو في النُّسخ: "حتى إذا كنّا"، فيَحْتَمِلُ أن عائشة - رضي الله عنهما -