وقال القرطبيّ رحمهُ اللهُ: قوله: "راسلونا الصلح" هذه رواية العذريّ، وهي من الرسالة، ورواه جماعة: "راسُّونا" بسين مهملة مشدّدة مضمومة، وهو من رَسَّ الحديث يَرُسّهُ: إذا ابتدأه، ورسستُ بين القوم: أصلحت بينهم، ورسا لك الحديثَ رَسْوًا: إذا ذَكَر لك منه طرفًا، ورُوي: "راسَونا" بفتح السين لابن ماهان، قال عياضٌ: ولا وجه لها. انتهى (?).
(الصُّلْحَ)؛ أي: طلب الصلح، وفي بعض النسخ: "بالصلح"، (حَتَّى مَشَى بَعْضُنَا فِي بَعْضٍ) "في" هنا بمعنى "إلى"؛ أي: مشى بعضنا إلى بعض، ومنه قوله تعالى: {فَرَدُّوا أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْوَاهِهِمْ} [إبراهيم: 9]؛ أي: إلى أفواههم، أو هي بمعنى "مع"، فيكون المعنى: مشى بعضنا مع بعض (?). (وَاصْطَلَحْنَا)؛ أي: اتّفقنا على أن لا الحرب بيننا وبينهم عشر سنين. (قَالَ) سلمة (وَكُنْتُ تَبِيعًا)؛ أي: خادمًا (لِطَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللهِ) بن عثمان بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم التيميّ المدنيّ، أحد العشرة المبشّرين بالجنة، استُشهد - رضي الله عنه - يوم الجمل سنة (36) تقدّمت ترجمته في "الإيمان" 2/ 109. (أَسْقِي فَرَسَهُ) بفتح الهمزة، وضمّها، من سقى ثلاثيًّا، وأسقى رباعيًّا، (وَأَحُسُّهُ)؛ أي: أحُكّ ظهره بالْمِحَسّة؛ لأزيل عنه الغبار ونحوه، قال الجوهريّ رَءإدنهُ: و"المِحَسّة" بكسر الميم: الْفِرْجَونُ (?)، وقال المجد رحمهُ اللهُ في مادّة "فرْجَنَ": الْفِرْجَونُ، كبِرْذَوْنٍ: الْمِحَسَّةُ، وفَرْجَنَ الدابّة: حسّها به. انتهى (?).
(وَأَخْدُمُهُ) بضمّ الدال، وكسرها، من بأبي نصر، وضرب. (وَآكُلُ مِنْ طَعَامِهِ) ثم بيّن سبب خدمته لطلحة، وأكله من طعامه بقوله: (وَتَرَكْتُ أَهْلِي، وَمَالِي، مُهَاجِرًا إِلَى اللهِ وَرَسُولهِ - صلى الله عليه وسلم -)؛ يعني: أن سبب عدم كفايته نفسه بماله أنه ترك ماله في بلده، وهاجر بلا مال، فاحتاح إلى أن يكون تابعًا لطلحة - رضي الله عنهما -. (قَالَ) سلمة (فَلَمَّا اصْطَلَحْنَا نَحْنُ وَأَهْلُ مَكَّةَ)؛ أي: على ترك الحرب مدّة الصلح، (وَاخْتَلَطَ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ)؛ أي: اختلط المسلمون بالمشركين آمنين بسبب ما جرى من الصلح، (أَتَيْتُ شَجَرَةً، فَكَسَحْتُ شَوْكَهَا)؛ أي: كنسته،