فأخذوا عليهما عهد الله، وميثاقه، أن لا يعينان عليهم، فحلفا لهم، فأرسلوهما، فأتيا النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، فأخبرا، فقالا: إنا قد حلفنا لهم، فإن شئت قاتلنا معك، فقال: "نفي لهم بعهدهم، ونستعين الله عليهم" (?) ".

وفي رواية أبي عوانة: "عن حذيفة قال: ما منعنا أن نشهد بدرًا إلا أنّا أقبلنا أنا وأبي؛ يعني: اليمان، نريد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ببدر، فعارضنا كفار قريش، فأخذونا، فقا لوا: إنكم تريدون محمدًا، قال: قلنا: ما نريده، قالوا: فأعطونا عهد الله وميثاقه لتنصرفن إلى المدينة، ولا تقاتلونا، فأعطيناهم عهد الله وميثاقه لننصرفنّ إلى المدينة، قال: فأتينا النبيّ - صلى الله عليه وسلم - , فأخبرناه بذلك، فقال: نستعين الله عليهم، ونفي لهم بعهدهم، ارجعا إلى المدينة، فذلك الذي منعنا" (?).

(قَالُوا: إِنَّكُمْ تُرِيدُونَ مُحَمَدًا) - صلى الله عليه وسلم -؛ أي: نَصْره والقتال معه في بدر، (فَقُلْنَا: مَا نُرِيدُهُ، مَا نُرِيدُ إِلَّا الْمَدِينَةَ) فيه جواز الكذب، والتعريض للخائف؛ للضرورة، (فَأَخَذُوا مِنَا عَهْدَ اللهِ وَمِيثَاقَهُ) - بكسر الميم -: العهد المؤكّد باليمين، (لَنَنْصَرِفَنَّ)؛ أي: لنرجعن (إِلَى الْمَدِينَة، وَلَا نُقَاتِلُ مَعَهُ) في بدر، (فَأَتَيْنَا رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَأَخْبَرْنَاهُ الْخَبَرَ)؛ أي: قصّة ما جرى بيننا وبين كفّار قريش، من العهد والميثاق على أن نرجع إلى المدينة، ولا نقاتل معه - صلى الله عليه وسلم -، (فَقَالَ) - صلى الله عليه وسلم - ("انْصَرِفَا) إلى المدينة، ولا تقاتلا معنا، ثمّ علّل ذلك بقوله: (نَفِي) مضارع وفي، من باب رمى وفاءً، وفي بعض النسخ: "فَفِيا" بالتثنية لحُذيفة وأبيه - رضي الله عنهما - ("لَهُمْ بِعَهْدِهِمْ)؛ أي: نؤدّي ما التزمتماه لهم بعدم مقاتلكتما معنا، (وَنَسْتَعِينُ اللهَ عَلَيْهِمْ")؛ أي: نطلب من الله - عَزَّ وَجَلَّ - أن يُعيننا على قتالهم، فإنه وعدنا بالنصر، حيث قال: {إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ (51)} [غافر: 51]، وقال تعالى: {وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ (171) إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ (172) وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ (173)} [الصافات: 171 - 173]، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015