باطن ذلك، وعاقبة أمره ما ليس عند عمر، ولذلك لم يسكن عمر حتى بشّره النبيّ - صلى الله عليه وسلم - بالفتح، فسكن جأشه، وطابت نفسه. انتهى (?).

(فِي) أمر (دِينِنَا، وَنَرْجِعُ) إلى المدينة، (وَلَمَّا) نافية؛ أي: لم (يَحْكُمِ اللهُ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ؟ ) بإظهار الحقّ، ودحض الكفر، (فَقَالَ) - صلى الله عليه وسلم - ("يَا ابْنَ الْخَطَّاب، إِنِّي رَسُولُ الله، وَلَنْ يُضَيِّعَنِي اللهُ أبدًا")؛ أي: بعدم نصري، وإظهار الإسلام، وفي رواية للبخاريّ: "قال: إني رسول الله، ولست أعصيه"، وهذا تنبيه منه - صلى الله عليه وسلم - لعمر - رضي الله عنه -؛ أي: إنما أفعل هذا من أجل ما أطلعني الله عليه من حبس الناقة، وإني لست أفعل ذلك برأي، وإنما هو بوحي.

(قَالَ: فَانْطَلَقَ)؛ أي: ذهب (عُمَرُ) - رضي الله عنه - (فَلَمْ يَصْبِرْ)؛ أي: لم يحبس نفسه في مجلس النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، بل ذهب، وقوله: (مُتَغَيِّظًا) حال من "عمر"؛ أي: انطلق من المجلس حال كونه ممتلئ الغيظ من الصلح، و"الغيظ": شدّة الغضب، قال الفيّوميّ - رحمه الله -: الغَيْظُ: الغضب المحيط بالْكَبِد، وهو أشدّ الْحَنَق، وفي التنزيل: {قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ} [آل عمران: 119]، وهو مصدر مِنْ غَاظَهُ الأمرُ، من باب سار، قال ابن الأعرابيّ - كما حكاه الأزهريّ -: غَاظَهُ يَغِيظُهُ، وأَغَاظَهُ بالألف، واسم المفعول من الثلاثيّ مَغِيظٌ، قال الشاعر [من البسيط]:

مَا كَانَ ضَرَّكَ لَوْ مَنَنْتَ وَرُبَّمَا ... مَنَّ الفَتَى وَهُوَ المَغِيظُ المُحْنَقُ

واغْتَاظَ فلان من كذا، ولا يكون الغَيْظُ إلا بوصول مكروه إلى المُغْتَاظ، وقد يقام الغَيْظُ مقام الغضب في حقّ الإنسان، فيقال: اغْتَاظَ من لا شيءٍ، كما يقال: غَضِب من لا شيءٍ، وكذا عكسه. انتهى (?).

(فَأَتى) عمر - رضي الله عنه - (أبا بَكْرٍ) الصدّيق - رضي الله عنه - (فَقَالَ: يَا أبا بَكْرٍ، ألَسْنَا عَلَى حَقٍّ، وَهُمْ عَلَى بَاطِلٍ؟ قَالَ) أبو بكر - رضي الله عنه - (بَلَى، قَالَ) عمر - رضي الله عنه - (ألَيْسَ قَتْلَانَا فِي الْجَنَّة، وَقَتْلَاهُمْ فِي النَّارِ؟ قَالَ) أبو بكر (بَلَى، قَالَ) عمر (فَعَلَامَ نُعْطِي الدَّنِيَّةَ فِي دِينِنَا، وَنَرْجِعُ، وَلَمَّا يَحْكُمِ اللهُ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ؟ فَقَالَ) أبو بكر - رضي الله عنه - (يَا ابْنَ الْخَطَّاب، إِنَّهُ رَسُولُ الله، وَلَنْ يُضَيِّعَهُ اللهُ أبَدًا) قال النوويّ: - رحمه الله -: قال العلماء: لم يكن سؤال عمر - رضي الله عنه -، وكلامه المذكور شكًّا، بل طلبًا لكشف ما خفي

طور بواسطة نورين ميديا © 2015