الحارث المذكور عام الفتح (?).
(فَدَفَعَهُ عَظِيمُ بُصْرَى إِلَى هِرَقْلَ، فَقَالَ هِرَقْلُ) لمّا وصل إليه الكتاب لجلسائه: (هَلْ هَا هُنَا أَحَدٌ مِنْ قَوْمِ هَذَا الرَّجُلِ الَّذِي يَزْعُمُ أَنَّهُ نَبِيُّ؟ )؛ أي: هل يوجد في ناحيتنا أحد من قومه، نسأله عن حاله، ويخبرنا عن حقيقته؛ لأن قوم الرجل أعرف به من غيرهم، (قَالُوا: نَعَمْ)؛ أي: يوجد ههنا من قومه جماعة. (قَالَ) أبو سفيان (فَدُعِيتُ) بالبناء للمفعول؛ أي: طُلبت إلى مجلسه.
قال في "الفتح": قوله: "فدُعيت في نفر من قريش، فدخلنا على هرقل" فيه حذفٌ، تقديره: فجاءنا رسوله، فتوجهنا معه، فاستأذن لنا، فأُذن، فدخلنا، وهذه الفاء تُسَمَّى الفصيحة، وهي الدالة على محذوف قبلها، هو سبب لِمَا بعدها، سمِّيت فصيحةً؛ لإفصاحها عما قبلها، وقيل: لأنها تدل على فصاحة المتكلم بها، فوُصفت بالفصاحة على الإسناد المجازيّ، ولهذا لا تقع إلا في كلام بليغ.
ثم إن ظاهر السياق أن هرقل أرسل إليه بِعَيْنه، وليس كذلك، وإنما كان المطلوب مَن يوجد من قريش، ووقع عند البخاريّ في "الجهاد": "قال أبو سفيان: فوَجَدَنا رسول قيصر ببعض الشام، فانطَلَق بي، وباصحابي، حتى قَدِمنا إلى إيلياء"، والمراد ببعض الشام: غَزّة. انتهى (?).
(فِي نَفَرٍ)؛ أي: مع جماعة، وفي رواية البخاريّ: "في رَكْب من قريش"، والركب: جمع راكب، كصحب وصاحب، وهم أولو الإبل العشرة فما فوقها، والمعنى أن أبا سفيان دُعي حال كونه في جملة نفر، وذاك لأنه كان كبيرهم، فلهذا خصه، وكان عدد الركب ثلاثين رجلًا. رواه الحاكم في "الإكليل"، ولابن السكن: نحو من عشرين، وسَمَّى منهم المغيرة بن شعبة في "مصنف ابن أبي شيبة" بسند مرسل، قال الحافظ: وفيه نظر؛ لأنه كان إذ ذاك مسلمًا، ويَحْتَمِل أن يكون رجع حينئذ إلى قيصر، ثم قَدِمَ المدينة مسلمًا، وقد وقع ذِكره أيضًا في أثر آخر في كتاب السِّيَرِ لأبي إسحاق الفزاريّ، وكتاب الأموال لأبي