انحلّ فيما مضى من الزمان، أو يخبره بخبر يقطعه من موت أميره، وهو يريد موت المنام، أو الدِّين، ومن ذلك ما روي عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - أنه كان إذا أراد غزوةً ورَّى بغيرها. انتهى (?).
قال الجامع عفا الله عنه: عندي أن ما تقدّم عن النووي من أن الظاهر إباحة حقيقة الكذب في الحرب، إذا لم يمكن التعريض والتورية، هو الأظهر؛ عملًا بظواهر النصوص، وهي كثيرة:
فمنها: ما أخرجه الشيخان في "صحيحيهما" عن أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط، وكانت من المهاجرات الأُوَل اللاتي بايعن النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، أنها سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وهو يقول: "ليس الكذاب الذي يصلح بين الناس، ويقول خيرًا، وينمي خيرًا"، قال ابن شهاب: ولم أسمع يرخَّص في شيء مما يقول الناس؛ كذِبٌ إلا في ثلاث: الحرب، والإصلاح بين الناس، وحديث الرجل امرأته، وحديث المرأة زوجها".
ومنها: ما أخرجه الترمذيّ وحسّنه، من حديث أسماء بنت يزيد - رضي الله عنهما - مرفوعًا: "لا يحل الكذب إلا في ثلاث: يُحدِّث الرجل امرأته؛ ليرضيها، والكذب في الحرب، وفي الإصلاح بين الناس".
ومن ذلك: ما جاء في قصّة قتل كعب بن الأشرف من قول محمد بن مسلمة حين أمره النبيّ - صلى الله عليه وسلم - بقتله قال للنبيّ - صلى الله عليه وسلم -: ائذن لي فأقول، قال: "قل"، فإنه يدخل فيه الإذن في الكذب تصريحًا، وتلويحًا.
ومنها: ما أخرجه أحمد، وابن حبان، من حديث أنس - رضي الله عنه - في قصة الحجاج بن علاط الذي أخرجه النسائيّ، وصححه الحاكم، في استئذانه النبيّ - صلى الله عليه وسلم - أن يقول عنه ما شاء؛ لمصلحته في استخلاص ماله من أهل مكة، وأذن له النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، وإخباره لأهل مكة أن أهل خيبر هزموا المسلمين، وغير ذلك مما هو مشهور في ذلك (?)، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.