من سال يسأل، من باب خاف يخاف، ويقال في المثنّى: سلا، وفي الجمع: سلوا على غير قياس؛ لأن قياسه أن يقال: سالا، وسالوا، كقولهم: خافا، وخافوا، وتقول: سِلْته بكسر السين، وهما يتساولان، ويَحْتَمِل أن يكون "فسلهم" أمرًا من سأل يسأل بالهمزة، فحُذف للتخفيف (?). (الْجِزْيَةَ) بكسر الجيم، وسكون الزاي، هو: ما يؤخذ من أهل الذمّة، والجمع جِزًى، ومثلُ سِدْرَةٍ وسِدَرٍ (?)، وهذا إشارة إلى الخصلة الثانية. (فَإِنْ هُمْ أَجَابُوكَ، فَاقْبَلْ مِنْهُمْ) الجزية، (وَكُفَّ عَنْهُمْ) عن قتالهم.
قال القرطبيّ - رحمه الله -: فيه حجَّة لمالك، وأصحابه، والأوزاعيّ، في أخذ الجزية من كل كافر، عربيًّا كان أو غيره، كتابيًّا كان أو غيره، وذهب أبو حنيفة: إلى أنها تُقبل من الجميع إلا من مشركي العرب، ومجوسهم، وهو قول عبد الملك، وابن وهب من أصحابنا، وقال الشافعيّ - رحمه الله -: لا تُقبل إلا من أهل الكتاب - عربًا كانوا أو عجمًا -، ولا تُقبل من غيرهم، والمجوس عنده أهل كتاب. انتهى (?).
قال الجامع عفا الله عنه: سيأتي أن ما ذهب إليه الأولون من مشروعيّة أخذ الجزية من كلّ كافر، هو الأرجح؛ لهذا الحديث، وسيأتي الجواب عما احتجّ به الشافعيّ - رحمه الله - من الآية، والحديث، فتنبّه.
(فَإِنْ هُمْ أَبَوْا)؛ أي: امتنعوا عن قبول الجزية، بعد امتناعهم عن الإسلام، (فَاسْتَعِنْ بِالله، وَقَاتِلْهُمْ) إشارة إلى الخصلة الثالثة، (وَإِذَا حَاصَرْتَ)؛ أي: أحطت بهم، ومنعتهم من التصرّف، يقال: حصره العدوُّ حصرًا، من باب قتل: أحاطوا به، ومنعوه من المضيّ لأمره، وقال ابن السّكّيت، وثعلب: حَصَرَهُ العدوُّ في منزله: حبسه، وأحصره المرضُ بالألف: منعه من السفر، وقال الفرّاء: هذا كلام العرب، وعليه أهل اللغة، وقال ابن القُوطِيّة، وأبو عمرو الشيبانيّ: حصره العدوّ، والمرضُ، وأحصره كلاهما بمعنى حبسه، ذكره الفيّومي (?). (أَهْلَ حِصْنٍ) بكسر الحاء، وسكون الصاد المهملتين: هو المكان