[تنبيه]: ذكر ابن إسحاق عن مشايخه: عاصم بن عمر بن قتادة، وغيره أنه - صلى الله عليه وسلم - بلغه أن بني المصطلِق يجمعون له، وقائدهم الحارث بن أبي ضِرار، فخرج إليهم حتى لقيهم على ماء من مياههم، يقال له: المريسيع قريبًا من الساحل، فزاحف الناس، واقتتلوا فهزمهم الله، وقتل منهم، ونفل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نساءهم، وأبناءهم، وأموالهم.
قال الحافظ - رحمه الله -: كذا ذكر ابن إسحاق بأسانيد مرسلة، وحديث ابن عمر - رضي الله عنهما - الذي في "الصحيح": "أن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - أغار علي بني المصطلِق، وهم غارّون، وأنعامهم تُستقى على الماء، فقَتَل مقاتلتهم، وسبى ذراريهم ... " الحديث يدلّ على أنه أغار عليهم على حين غفلة منهم، فأوقع بهم، فيَحْتَمِل أن يكون حين الإيقاع بهم ثبتوا قليلًا، فلما كَثُر فيهم القتل انهزموا، بأن يكون لَمّا دَهَمَهم وَهُم على الماء ثَبَتُوا، وتصافُّوا، ووقع القتال بين الطائفتين، ثم بعد ذلك وقعت الغلبة عليهم.
وقد ذكر هذه القصة ابن سعد نحو ما ذكر ابن إسحاق، وأن الحارث كان جمع جُموعًا، وأرسل عينًا تأتيه بخبر المسلمين، فظَفِروا به فقتلوه، فلما بلغه ذلك هَلَعَ، وتفرق الجمع، وانتهى النبيّ - صلى الله عليه وسلم - إلى الماء، وهو المريسيع، فصَفّ أصحابه للقتال، ورَمَوهم بالنبل، ثم حملوا عليهم حملة واحدة، فما أفلت منهم إنسان، بل قُتِل منهم عشرة، وأُسر الباقون رجالًا، ونساة. وساق ذلك اليعمريّ في "عيون الأثر"، ثم ذكر حديث ابن عمر، ثم قال: أشار ابن سعد إلى حديث ابن عمر، ثم قال: الأول أثبت.
قال الحافظ: آخر كلام ابن سعد، والحُكم بكون الذي في السير أثبت مما في "الصحيح" مردود، ولا سيما مع إمكان الجمع، والله أعلم. انتهى كلام الحافظ - رحمه الله - (?)، وهو بحث نفيسٌ جدًّا، والله تعالى أعلم.
(وَهُمْ غَارُّونَ) - بالغين المعجمة، وتشديد الراء: جمع غارّ بالتشديد -؛ أي: غافلون؛ أي: أخذهم على غِرّة، والغِرّة بالكسر: الغفلة، والجملة في محلّ نصب على الحال، وكذا قوله: (وَأَنْعَافهُمْ) - بفتح الهمزة: جمع نَعَم -