إلى يوم القيامة؛ مهما نزلت حاجة، أو مجاعة، في السَّفر، أو في الحضر، وجبت المواساة بما زاد على كفاية تلك الحال، وحَرُم إمساك الفضل. انتهى كلام القرطبيّ - رحمه الله - (?)، وهو بحث مفيد جدًّا، والله تعالى أعلم.

وقال القاري: (فَجَعَلَ)؛ أي: شرع، وطَفِق (يَضْرِبُ)؛ أي: الراحلة (يَمِينًا وَشِمَالًا)؛ أي: بيمينه وشماله، أو يمينها وشمالها؛ لعجزها عن السير، وقيل: يضرب عينيه إلى يمينه وشماله؛ أي: يلتفت إليهما؛ طالبًا لمن يقضي له حاجته، (فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ كَانَ مَعَهُ فَضْلُ ظَهْرٍ)؛ أي: زيادة مركوب عن نفسه (فَلْيَعُدْ بِهِ)؛ أي: فليرفق به (عَلَى مَنْ لَا ظَهْرَ لَهُ) فيحمله على ظهره، مِنْ عاد علينا بمعروف؛ أي: رفق بنا، كذا في "أساس البلاغة". (وَمَنْ كَانَ لَهُ فَضْلٌ مِنْ زَادٍ)؛ أي: منه، ومن دابّته (فَلْيَعُدْ بِهِ عَلَى مَنْ لَا زَادَ لَهُ")؛ أي: مقدار كفايته، ولعله - صلى الله عليه وسلم - اطّلع على أنه تعبان من قلّة الزاد أيضًا، أو ذكره تتميمًا، وقصدًا إلى الخير تعميمًا.

قال المظهر: أي: طفق يمشي يمينًا وشمالًا؛ أي: يسقط من التعب؛ إذ كانت راحلته ضعيفة، لم يقدر أن يركبها، فمشى راجلًا، ويَحْتَمِل أن تكون راحلته قويّة إلا أنه قد حمل عليها زاده، وأقمشته، ولم يقدر أن يركبها من ثقل حملها، فطلب له من الجيش فضل ظهر؛ أي: دابة زائدة على حاجة صاحبها.

قال الطيبيّ: في توجيهه إشكال؛ لأن "على راحلته" صفة "رجل"؛ أي: راكب عليها، وقوله: "فجعل" عطف على "جاء" بحرف التعقيب، اللهم إلا أن يُتَمَحَّل، ويقال: إنه عطف على محذوف؛ أي: فنزل، فجعل يمشي.

قال القاري: الأظهر أن يقال: التقدير: حامل متاعه على راحلته، أو "على" بمعنى "مع"، كقوله تعالى: {وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ} [البقرة: 177].

قال الطيبيّ: الأوجه أن يقال: إن "يضرب" مجاز عن يلتفت، لا عن يمشي، وبهذا أيضًا يسقط الاحتمال الثاني الذي يأباه المقام، ويشهد له ما في "صحيح مسلم" - يعني: رواية: "يصرف بصره عن يمينه وشماله". قال النوويّ: "جاء رجل على راحلة، فجعل يصرف بصره يمينًا وشمالًا" هكذا في بعض النسخ، وفي

طور بواسطة نورين ميديا © 2015