ويخالفون في فعلهم ذلك اليهود الذين أقَرُّوا بموسى، وكذَّبوا عيسى، والنصارى الذين أقرّوا بموسى وعيسى، وكذّبوا بمحمد - صلى الله عليه وسلم -، وجَحَدوا نبوته، ومَن أشبههم من الأمم الذين كذَّبوا بعضَ رسل الله، وأقرّوا ببعضه.
وقال القرطبيّ: {لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ}، قرأ جمهور الناس {لَا نُفَرِّقُ} بالنون، والمعنى يقولون: لا نفرّق، فحُذف القول، وحَذْفُ القول كثير، قال الله تعالى: {وَالْمَلَائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ (23) سَلَامٌ عَلَيْكُمْ}، أي يقولون: سلام عليكم، وقال تعالى: {وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا} [آل عمران: 191]، أي يقولون: ربنا، وما كان مثله، وقرأ سعيد بن جبير، ويحيى بن يعمر، وأبو زرعة بن عمرو بن جرير، ويعقوب: "لا يُفرَّق" بالياء، وهذا على لفظ "كلّ"، وهي في حرف ابن مسعود: "لا يفرق"، وقال: {بَيْنَ أَحَدٍ} على الإفراد، ولم يقل: آحاد؛ لأن "الأحد" يتناول الواحد، والجمع، كما قال تعالى: {فَمَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ (47)} [الحاقة: 47]، فـ {حَاجِزِينَ} صفة لـ {أَحَدٍ}؛ لأن معناه: الجمع، وقال - صلى الله عليه وسلم - "ما أحلّت الغنائم لأحد سُود الرأس غيركم" (?)، وقال رؤبة:
إِذَا أُمُورُ النَّاسِ دِينَتْ دِينَكَا ... لَا يَرْهَبُونَ أَحَدًا مِنْ دُوبكَا
ومعنى هذه الآية: أن المؤمنين ليسوا كاليهود والنصارى في أنهم يؤمنون ببعض، ويكفرون ببعض. انتهى (?).
وقال الإمام ابن جرير: والقراءة التي لا نَستجيز غيرها في ذلك عندنا بالنون: {لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ}؛ لأنها القراءة التي قامت حجتها بالنقل المستفيض، الذي يمتنع معه التشاعُر (?) والتواطؤ والسهو والغلط، يعني ما وصفنا من يقولون: {لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ}، ولا يُعترض بشاذ من القراءة على ما جاءت به الحجة نقلًا وروايةً. انتهى.