منه"، فحينئذ مسألة عن ذلك، فأجابه بذلك، ويلحق بالغنم عند مالك: ما لا يبقى من الأطعمة، ويخافُ عليه الفساد، وكان بموضع لا ينحفظ فيه، ولا يوجد من يشتريه، فله أكله، ولا ضمان، وضمَّنه الإمامان، كما قدّمناه، فإن كان شيء من ذلك قريبًا من العمران، وأَمِنَ الهلاك عليه فلا يجوز له أكله، ولا خلاف فيه، فإن شاء أخذها بنيَّة حفظها، وإن شاء تركها على ما تقدم. انتهى كلام القرطبيّ رحمه الله (?).
قال الجامع عفا الله عنه: لا يخفى أن ما ذهب إليه الإمامان أبو حنيفة، والشافعيّ من تضمينه هو الأرجح؛ لظاهر أحاديث الباب، فتأمل بالإمعان، والله تعالى أعلم.
(قَالَ) السائل (فَضَالَّةُ الابِلِ؟ )؛ أي: ما حكمها (قَالَ) - صلى الله عليه وسلم - ("مَا لَكَ وَلَهَا؟ ) "ما" استفهاميّة، ومعناه: ما تصنع بها؟ أي؛ لِمَ تأخذها، ولمَ تتناولها؟ وإنها مستقلّة بأسباب معيشتها (?).
وفي رواية: "فغضب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى احمرّت وجنتاه، أو احمرّ وجهه"، وفي رواية للبخاريّ: "فتمَعّر وجه النبيّ - صلى الله عليه وسلم - "، وهو بالعين المهملة الثقيلة؛ أي: تغيَّر، وأصله في الشجر إذا قَلَّ ماؤه، فصار قليل النَّضْرة، عديم الإشراق، ويقال للوادي المجدب: أمعر، ولو رُوي "تَمَغَّر" بالغين المعجمة، لكان له وجه؛ أي: صار بلون المغَرَة، وهو حمرة شديدة إلى كُمُودة، قاله في "الفتح" (?).
وفي رواية سليمان بن بلال الآتية: "فقال: ما لك ولها؟ دعها، فإن معها حذاءها، وسقاءها، تَرِد الماء، وتأكل الشجر، حتى يجدها ربّها".
وقال القرطبيّ رحمه الله: قوله في ضالَّة الإبل: "ما لك ولها؟ " إلى آخر الكلام، وغضبه حين قال ذلك يدلُّ على تحريم التعرُّض لضالَّة الإبل؛ لأنَّها يُؤْمَن عليها الهلاك لاستقلالها بمنافعها، وقد نصَّ على ذلك بقوله في الرواية الأخرى: "دعها عنك"، ومقتضاه: المنع من التصرف فيها مطلقًا، وأن تُترك