النُّسَّاخ، ثم قال بعد هذا: والقيل، والقال، والقول: كلُّه بمعنى، وكذلك القالة، وهذا كلُّه صحيحٌ؛ فإن مصدر "قال" يقال فيه ذلك كلُّه، لكن لا يصلح شيء منه هنا، فإنَّ الرواية كما أخبرتك. انتهى كلام القرطبيّ - رَحِمَهُ اللهُ -، وهو بحث نفيسٌ.
وقال ابن عبد البرّ - رَحِمَهُ اللهُ -: وأما قوله: "ويكره لكم قيل، وقال"، فمعناه - والله أعلم - الخوض في أحاديث الناس التي لا فائدة فيها، وإنما جُلّها الغلط، وحَشْوٌ، وغِيبةٌ، وما لا يُكتب فيه حسنة، ولا يَسْلم القائل، والمستمع فيه من سيئة.
قال الشاعر [من الوافر]:
وَمَن لَا يَمْلِكِ الشَّفَتَيْنِ يُسْحَقْ ... بِسُوءِ اللَّفْظِ مِنْ قِيلٍ وَقَالِ
وقال أبو العتاهية [من الطويل]:
عَلَيْكَ بِمَا يَعْنِيكَ مِنْ كُلِّ مَا تَرَى ... وَبِالصَّمْتِ إِلَّا عَنْ جَمِيلٍ تَقُولُهُ
تَزَوَّدْ مِنَ الدُّنْيَا بِزَادٍ مِنَ التُّقَى ... فُكُلٌّ بِهَا ضَيْفٌ وَشِيكٌ رَحِيلُهُ (?)
(وَكَثْرَةَ السُّؤَالِ) قال القرطبيّ - رَحِمَهُ اللهُ -: يَحْتَمِل أوجهًا:
أحدها: أن يريد به كثرة سؤال الناس الأموال، والحوائج إلحاحًا، واستكثارًا.
وثانيها: أن يكثر من المسمائل الفقهية تنطُّعًا وتكلُّفًا فيما لَمْ يَنْزل، وقد كان السَّلف يَكْرَهون ذلك، وَيرَوْنه من التكلُّف، وقال مالك في هذا الحديث: لا أدري أهو ما أنهاكم عنه من كثرة المسائل، فقد كره رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - المسائل وعابها، أو هو: مسألة الناس أموالهم؟
وثالثها: أن يُكثر من السؤال عمَّا لا يعنيه من أحوال الناس، بحيث يُؤذي ذلك إلى كشف عوراتهم، والاطلاع على مساوئهم.
قال القرطبي: والوجه حَمْل الحديث على عمومه، فيتناول جميع تلك الوجوه كلِّها. انتهى كلام القرطبيّ (?)، وهو بحث نفيسٌ.
وقال النوويّ: قيل: المراد به: القطع في المسائل، والإكثار من السؤال