وقد روى جرير بن حازم - وهو ثقة - عن قيس بن سعد، عن عمرو بن دينار، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس أن رجلًا وَقَصَتْه ناقة، وهو مُحْرِم، فذكر الحديث، فقد علمنا قيسًا روى عن عمرو بن دينار غير حديث: اليمين مع الشاهد، ثم قد تابع قيسًا على روايته هذه: محمد بن مسلم الطائفيّ، ثم ساقه من طريق أبي داود بسنده عن محمد بن مسلم الطائفيّ، عن عمرو بن دينار، عن ابن عباس بلفظ حديث قيس، ثم قال: وقد رُوي من وجه آخر، ثم ساق من طريق الشافعيّ، ثنا إبراهيم بن محمد الأسلميّ، عن ربيعة بن عثمان، عن معاذ بن عبد الرحمن، عن ابن عباس: "أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قضى باليمين مع الشاهد". انتهى.

الجواب الثاني (?): أن الحديث على تقدير صحته لا يفيد العموم، قال الإمام فخر الدين: قول الصحابيّ: نَهَى النبيّ - صلى الله عليه وسلم - عن كذا، وقضى بكذا، لا يفيد العموم؛ لأن الحجة في المحكيّ، لا في الحكاية، والمحكي قد يكون خاصًّا، وأيضًا فالقضاء له معانٍ، أقربها في هذا الموضع "فصل الخصومات"، وهذا مما يتعيّن فيه الخصوص؛ إذ لا يتأتى فيه الحكم بكل شاهد من النبيّ - صلى الله عليه وسلم - إلى قيام الساعة، بل إنما يقضي بشاهد خاصّ، وعلى هذا يكون الراوي قد اعتَمَد على قرينة الحال الدالة على أن المراد بالشاهد واليمين حقيقة الجنس، لا استغراق الجنس، ويكون معناه أنه عليه السلام قضى بجنس الشاهد، وجنس اليمين.

وقد يُعْتَرض على هذا بما وقع في الترمذيّ، وسنن الدارقطنيّ، ثم البيهقيّ: "أنه عليه السلام قضى باليمين مع الشاهد الواحد"، وأخرج الدارقطنيّ، ثم البيهقيّ، عن عليّ: "أن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - قضى بشهادة شاهد واحد، ويمين صاحب الحق"، وأخرج الدارقطنيّ، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جدّه عبد الله بن عمرو، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "قضى الله ورسوله في الحقّ بشاهدين، فإن جاء بشاهدين أخذ حقّه، وإن جاء بشاهد واحد حَلَف مع شاهده".

طور بواسطة نورين ميديا © 2015