قصّة ناقة البراء، فتجتمع الروايات. ولا يمتنع أن يكون للزهريّ فيه ثلاثة أشياخ.
وقد قال ابن عبد البرّ: هذا الحديث، وإن كان مرسَلًا، فهو مشهور، حدّث به الثقات، وتلقّاه فقهاء الحجاز بالقبول. وأما إشارة الطحاويّ إلى أنَّه منسوخ بحديث الباب، فقد تعقّبوه بأن النسخ لا يثبت بالاحتمال، مع الجهل بالتاريخ.
وأقوى من ذلك قول الشافعيّ: أخذنا بحديث البراء لثبوته، ومعرفة رجاله، ولا يخالفه حديث: "العجماءُ جرحها جُبَار"؛ لأنه من العامّ المراد به الخاصّ، فلما قال: "العجماء جبار"، وقضى فيما أفسدت العجماء بشيء في حال دون حال، دلّ ذلك على أن ما أصابت العجماء من جرح وغيره في حالٍ جُبَار، وفي حال غير جُبار.
ثمَّ نقض على الحنفيّة أنهم لم يستمرّوا على الأخذ بعمومه في تضمين الراكب بحديث: "الرِّجْلُ جبار" مع ضعف راويه، كما تقدَّم.
وتَعَقَّب بعضهم على الشافعيّة قولَهُم: إنه لو جرت عادة قوم بإرسال المواشي ليلًا، وحبسها نهارًا انعكس الحكم على الأصحّ.
وأجابوا بأنهم اتبعوا المعنى في ذلك، ونظيره القَسْم الواجب للمرأة لو كان يكتسب ليلًا، ويأوي إلى أهله نهارًا لانعكس الحكم في حقّه، مع أن عماد القَسْم بالليل. نعم لو اضطربت العادة في بعض البلاد، فكان بعضهم يرسلها ليلًا، وبعضهم يرسلها نهارًا، فالظاهر أنَّه يُقضى بما دلّ عليه الحديث. ذكره في "الفتح".
قال الجامع عفا الله تعالى عنه: عندي أن ما ذهب إليه الجمهور هو الأرجح عملًا بالحديثين، وحديث البراء، وإن كان الأصحّ أنَّه مرسل، إلا أنَّه اعتضد بتلقّي الناس له بالقبول - كما تقدَّم عن الحافظ ابن عبد البرّ - رحمه الله - فتقوّى بذلك، ألا ترى أن الإمام الشافعيّ - رحمه الله -، مع كونه لا يرى الاحتجاج بالمرسل، احتجّ به؛ لاعتضاده بما ذُكر، فَيُخَصّ به عموم حديث الباب: "العجماء جرحها جبار".
والحاصل أن البهائم إذا أفسدت بالليل، فإن أصحابها يَضْمَنون، وإذا