به التقليل، لكن أقل ذلك القليل مقيَّد بقوله - صلى الله عليه وسلم -: "لا تقطع يد السَّارق إلا في ربع دينار"، وهذا نصٌّ، وبقول عائشة - رضي الله عنها -: "لم تكن يد السَّارق تقطع في الشيء التَّافه"، أخرجه البخاري وغيره، وهذا منها خبر عن عادة الشرع الجارية عندهم، ومعلوم: أن الواحدة من بيض الدَّجاج، والحبل الذي يُشدّ به المتاع والرَّحل تافهٌ، وإنَّما سلك النبيّ - صلى الله عليه وسلم - في هذا الحديث مسلك العرب فيما إذا أغْيَت في تكثير شيء، أو تحقيره، فإنَّها تذكر في ذلك ما لا يصحّ وجوده، أو ما يندر وجوده إبلاغًا في ذلك، فتقول: لأصْعَدنَّ بفلان إلى السماء، ولأهبطنَّ به إلى تخوم الثَّرى، وفلانٌ مناطُ الثُّريَّا، وهو مِنِّي مقعد القابلة، و: "من بنى لله مسجدًا، ولو كمفحص قطاة بُني له بيتٌ في الجنة" (?)، ولا يُتصوَّر مسجد مثل ذلك، و"تصدَّقن ولو بظلفٍ مُحرَّقٍ" (?)، وهو مِمَّا لا يُتصدقُ به. ومثل هذا كثير في كلامهم، وعادةٌ لا تُستنكر في خطابهم.
وقيل في الحديث: أنَّه إذا سرق البيضة أو الحبل ربما حمله ذلك على أن يسرق ما يُقطع فيه؛ لأنه ربما يجترئ على سرقة غيرهما، فيعتاد ذلك فتقطع يده. انتهى (?)، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
مسائل تتعلّق بهذا الحديث:
(المسألة الأولى): في درجته:
حديث عائشة - رضي الله عنها - هذا متّفقٌ عليه.
[تنبيه]: قد أجاد في "الفتح" في الكلام على طرق حديث عائشة - رضي الله عنها - هذا، حيث أشار البخاريّ - رحمه الله - إلى بعض تلك الطرق، فأخرج رواية الزهريّ عن عمرة، من طريق إبراهيم بن سعد، عنه، بلفظ: "تقطع اليد في ربع دينار، فصاعدًا"، ثم قال:
"وتابعه عبد الرحمن بن خالد، وابن أخي الزهريّ، ومعمر، عن الزهريّ"، فقال في "الفتح": قوله: "وتابعه. . . إلخ"؛ أي: في الاقتصار على عمرة، أما متابعة عبد الرحمن بن خالد، وهو ابن مسافر، فوصلها الذهليّ في