قال ابن عبد البرّ: وهذان الإسنادان ليسا صحيحين، وقول إبراهيم، ومن تابعه هو المعتمَد، وكذا أخرجه الإسماعيليّ، من رواية زكريا بن يحيى، وحمويه عن إبراهيم بن سعد، ورواية يونس بجمعهما صحيحة.
وقد صرَّح ابن أخي ابن شهاب، عن عمه، بسماعه له من عمرة، وبسماع عمرة له من عائشة، أخرجه أبو عوانة، وكذا الآتي عند مسلم من طريق سليمان بن يسار، عن عمرة، أنها سمعت عائشة تُحدّث أنها سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
(عَنْ عَائِشَةَ) - رضي الله عنها - أنها (قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقْطَعُ السَّارِقَ فِي رُبْعِ دِينَارٍ، فَصَاعِدًا)، وفي رواية: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لا تُقْطَع يدُ السارق إلا في ربع دينار، فصاعدًا"، وفي رواية: "لا تُقطَع اليد إلا في ربع دينار فما فوقه"، وفي رواية: "لم تُقطع يد السارق في عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في أقل من ثَمَن الْمِجَنّ"، وفي رواية ابن عمر - رضي الله عنهما - قال: "قطع النبيّ - صلى الله عليه وسلم - سارقًا في مِجَنّ، قيمته ثلاثة دراهم"، وفي رواية أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لَعَنَ اللهُ السارقَ يَسرق البيضة، فتُقطع يده، ويَسرق الحبل، فتقطع يده"، وكلّها عند مسلم في هذا الباب.
وأجمع العلماء على قطع يد السارق، ولكن اختلفوا في اشتراط النصاب وقَدْره، وسيأتي تفصيل ذلك قريبًا - إن شاء الله تعالى -.
[تنبيه]: قوله: "فصاعدًا": قال صاحب "المحكم": يختص هذا بالفاء، ويجوز "ثم" بدلها، ولا تجوز الواو، وقال ابن جني: هو منصوب على الحال المؤكدة؛ أي: ولو زاد، ومن المعلوم أنه إذا زاد لم يكن إلا صاعدًا، وسيأتي في رواية سليمان بن يسار، عن عمرة بلفظ: "فما فوقه"، بدل "فصاعدًا" وهو بمعناه، والله تعالى أعلم.
وقال القرطبيّ - رحمه الله -: وقول عائشة - رضي الله عنها -: "كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يَقْطع في ربع دينار فصاعدًا"، وفي الطريق الآخر: "لا تُقطع يد السَّارق إلا في ربع دينار فصاعدًا": هذا تقرير لقاعدةِ ما تُقْطَع فيه يد السَّارق من النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، وبلفظه، لكنَّه ظاهر فيما إذا كان المسروق ذهبًا، فلو كان غير ذهب، وكان فضة، فهل يُعتبر قيمتها بالذهب؛ فإن سوّيت ربع دينار فصاعدًا قطع فيها، أو إنما تعتبر بنفسها؛ فإذا بلغت ثلاثة دراهم وزنًا قطع فيها، فيكون كل واحد من الذهب والفضة أصلًا معتبرًا بنفسه؟ قولان:
الأول: للشافعيّ، والأوزاعيّ، والليث بن سعد، وأبي ثور، وهو مرويّ