ووقع في هذه الرواية جوابهم عن كل سؤال بقولهم: "الله ورسوله أعلم"، وذلك من حُسْن أدبهم؛ لأنهم علموا أنه لا يخفى عليه ما يعرفونه من الجواب، وأنه ليس مراده مطلق الإخبار بما يعرفونه، ولهذا قال: "حتى ظننا أنه سيسميه سوى اسمه"، ففيه إشارة إلى تفويض الأمور الكلية إلى الشارع، ويستفاد منه الحُجة لمثبتي الحقائق الشرعية. انتهى ببعض تصرّف (?).
(قَالَ) أبو بكرة - رضي الله عنه - (فَسَكَتَ) النبيّ - صلى الله عليه وسلم - (حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ سَيُسَمِّيهِ بِغَيْرِ اسْمِهِ، قَالَ) - صلى الله عليه وسلم - ("أَلَيْسَ ذَا الْحِجَّةِ؟ ") بالنصب على أنه خبر "ليس"، وقع في بعض الروايات: "أليس ذو الحجة؟ "، وعليها فهو اسم "ليس"، وخبرها محذوف؛ أي: أليس ذو الحجة هو هذا الشهر؟ ، وقدّره ابن مالك - رحمه الله - ضميرًا متّصلًا، والتقدير: أليسه ذو الحجة؟ ومِنْ حذف الضمير المتّصل خبرًا لـ "كان"، وأخواتها قول الشاعر [من الطويل]:
فَأَطْعَمَنَا مِنْ لَحْمِهَا وَسَدِيفِهَا (?) ... شِوَاءً وَخَيْرُ الْخَيْرِ مَا كَانَ عَاجِلُهْ
أراد: وخير الخير الذي كأنه عاجلُه، ومثله قول الآخَر [من الطويل]:
أَخٌ مُخْلِصٌ وَافٍ صَبُورٌ مُحَافِظٌ ... عَلَى الْوُدِّ وَالْعَهْدِ الَّذِي كَانَ مَالِكُ
أراد الذي كانه مالك، والذي وَصِلَته مبتدأ، وقد أخبر عنه بخمسة أخبار متقدَّمة، ومثل هذا البيت في الاكتفاء بنيّة الخبر عن لفظه قوله [من الكامل]:
شَهِدَتْ دَلَائِلُ جَمَّةٌ لَمْ أُحْصِهَا ... أَنَّ الْمُفَضَّلَ لَنْ يَزَالَ عَتِيقُ
أراد: لن يزاله (?).
(قُلْنَا: بَلَي، قَالَ: "فَأَيُّ بَلَدٍ هَذَا؟ "، قُلْنَا: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ - قَالَ -: فَسَكَتَ، حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ سَيُسَمِّيهِ بِغَيْرِ اسْمِهِ، قَالَ: "أَليْسَ الْبَلْدَةَ؟ ") بالنصب أيضًا على أنه خبر "ليس"، ويحتمل الرفع على أنه اسمها، وخبرها محذوف؛ أي: أليست البلدة هي هذه؟ ، وفي رواية البخاريّ: "أليست بالبلدة الحرام؟ "، قال في "الفتح": كذا فيه بتأنيث البلدة، وتذكير الحرام، وذلك أن لفظ الحرام اضمَحَلّ منه معنى الوصفية، وصار اسمًا، قال الخطابيّ: يقال: إن البلدة اسم