وقوله: (وَأُلْقُوا فِي الْحَرَّةِ) - بفتح الحاء المهملة، وتشديد الراء -: هي الأرض ذات الحجارة السود، والمراد من الحرة هذه: حَرّة بظاهر مدينة الرسول - صلى الله عليه وسلم -، بها حجارة سُود كثيرة، وكانت بها الوقعة المشهورة أيام يزيد بن معاوية (?).

وقوله: (يَسْتَسْقُونَ، فَلَا يُسْقَوْنَ) حَكَى ابن بطال (?) عن المهَلَّب أن الحكمة في ترك سقيهم كفرهم نعمة السقي التي أنعشتهم من المرض الذي كان بهم، قال: وفيه وجه آخر يؤخذ مما أخرجه ابن وهب من مرسل سعيد بن المسيِّب أن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - قال لَمّا بلغه ما صنعوا: "عَطَّش الله مَن عَطَّش آل محمد الليلةَ"، قال: فكان ترك سقيهم إجابة لدعوته - صلى الله عليه وسلم -.

قال الحافظ: وهذا لا ينافي أنه عاقبهم بذلك، كما ثبت أنه سَمَلهم؛ لكونهم سَمَلوا أعين الرُّعاة، وإنما تركهم حتى ماتوا؛ لأنه أراد إهلاكهم، كما مضى في الحسم، وأبعد من قال: إنَّ تَرْكَهُم بلا سقي لم يكن بعلم النبيّ - صلى الله عليه وسلم -. انتهى (?).

[تنبيه]: رواية أيوب السختيانيّ، عن أبي رجاء هذه ساقها البخاريّ - رحمه الله - في "صحيحه"، فقال:

(233) - حدّثنا سليمان بن حرب، قال: حدّثنا حماد بن زيد، عن أيوب، عن أبي قلابة، عن أنس، قال: قَدِمَ أناس من عكل، أو عرينة، فاجتووا المدينة، فأمرهم النبيّ - صلى الله عليه وسلم - بلقاح، وأن يشربوا من أبوالها وألبانها، فانطلقوا، فلما صَحُّوا قتلوا راعي النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، واستاقوا النَّعَمَ، فجاء الخبر في أول النهار، فبعث في آثارهم، فلما ارتفع النهار جيء بهم، فأَمَرَ، فقَطَعَ أيديهم وأرجلهم، وسُمِرت أعينهم، وأُلْقُوا في الحرّة، يستسقون، فلا يُسْقَون، قال أبو قلابة: فهؤلاء سَرَقُوا، وقَتَلُوا، وكَفَروا بعد إيمانهم، وحاربوا الله ورسوله. انتهى (?)، والله تعالى أعلم.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015