البُرد الذي عليك، والبرد الذي على غلامك (كَانَتْ حُلَّةً) بالنصب على أنه خبر "كانت"، واسمها مقدّر؛ أي: كانت المجموعةُ حلةً، وَيَحْتَمل أن تكون "كان" تامّةً، و"حُلةٌ" مرفوع على الفاعليّة؛ أي: حصلت حلّةٌ كامةٌ، وإنما قال ذلك؛ لأن الحلّة عند العرب ثوبان، ولا تُطلَق على ثوب واحد، قاله النوويّ -رَحِمَهُ اللهُ- (?).

وقال في "العمدة": الْحُلّة -بضم الحاء المهملة، وتشديد اللام-: هي إزار ورداء، ولا يُسَمَّى حُلَّةً حتى تكون ثوبين، ويقال: الحلة ثوبان غير لفقين، رداء وإزار، سُمِّيا بذلك؛ لأن كل واحد منهما يَحُلّ على الآخر. انتهى.

[تنبيه]: قد جاء في سبب إلباس أبي ذر غلامه مثل لبسه أثر مرفوع أصرح من هذا وأخص: أخرجه الطبراني من طريق أبي غالب عن أبي أمامة أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أعطى أبا ذر عبدًا فقال: "أطعمه مما تأكل وألبسه مما تلبس"، وكان لأبي ذر ثوب فشقّه نصفين، فأعطى الغلام نصفه فرآه النبي -صلى الله عليه وسلم- فسأله، فقال: قلت: يا رسول الله أطعموهم مما تأكلون وألبسوهم مما تلبَسون، قال: "نعم".

(فَقَالَ) أبو ذرّ -رضي الله عنه- (إِنَّهُ) الضمير للشأن، وهو الضمير الذي تفسّره جملة بعده، كما قال ابن مالك في "الكافية الشافية":

وَمُضْمَرُ الشَّأنِ ضَمِيرٌ فُسِّرَا ... بِجُمْلَةٍ كَـ "إِنَّهُ زيدٌ سَرَى"

لِلابْتِدَا أَوْ نَاسِخَاتِهِ انتسَبْ ... إِذَا أَتَى مُرْتَفِعًا أَوِ انْتَصَبْ

وَإِنْ يَكُنْ مَرْفُوعَ فِعْلٍ اسْتَتَرْ ... حَتْمًا وَإِلَّا فَتَرَاهُ قَدْ ظَهَرْ

فِي بَابِ "إِنَّ" اسْمًا كَثِيرًا يُحْذَفُ ... كَـ "إِنَّ مَنْ يَجْهَلْ يَسَلْ مَنْ يَعْرِفُ"

وَجَائِزٌ تَأْنِيثُهُ مَتْلُوَّ مَا ... أُنِّثَ أَوْ تَشْبِيهَ أُنْثَى أَفْهَمَا

وَقَبْلَ مَا أُنِّثَ عُمْدَةً فَشَا ... تَأْنِيثُهُ كَـ "إِنَّهَا هِنْدٌ رَشَا"

(كَانَ بَيْنِي وَبَيْنَ رَجُلٍ مِنْ إِخْوَانِي) يريد أُخُوّة الإسلام، قيل: إن هذا الرجل هو بلال المؤذّن مولى أبي بكر -رضي الله عنهما-، وروى ذلك الوليد بن مسلم منقطعًا (?).

وقال النوويّ -رَحِمَهُ اللهُ-: أما قوله: "رجل من إخواني" فمعناه: رجل من المسلمين، والظاهر أنه كان عبدًا، وإنما قال: من إخواني؛ لأن النبيّ -صلى الله عليه وسلم- قال

طور بواسطة نورين ميديا © 2015