مُقَرِّن بعده أن النبيّ -صلى الله عليه وسلم- أمرهم حين لطم أحدهم خادمهم بعتقها، قالوا: ليس لنا خادم غيرها، قال: "فليستخدموها، فإذا استغنوا عنها فليخلوا سبيلها", قال القاضي عياض: وأجمع العلماء أنه لا يجب إعتاق العبد لشيء مما يفعله به مولاه، مثل هذا الأمر الخفيف، قال: واختلفوا فيما كَثُر من ذلك، وشَنُع من ضَرْب مُبَرِّح مُنْهِك لغير موجِب لذلك، أو حَرَّقه بنار، أو قَطَع عضوًا له، أو أفسده، أو نحو ذلك، مما فيه مُثلة، فذهب مالك، وأصحابه، والليث إلى عتق العبد على سيده بذلك، ويكون ولاؤه له، ويعاقبه السلطان على فعله، وقال سائر العلماء: لا يَعتِق عليه، واختَلَف أصحاب مالك فيما لو حلق رأس الأمة، أو لحية العبد، واحتَجَّ مالك بحديث ابن عمرو بن العاص في الذي جَبَّ عبده، فأعتقه النبيّ -صلى الله عليه وسلم-. انتهى (?).
وقال الشوكانيّ رحمه الله بعد ذكر الأحاديث المذكورة: وقد دلّت الأدلة على أنه يجوز للسيد أن يضرب عبده للتأديب، ولكن لا يجاوز به عشرة أسواط، ومن ذلك حديث: "إذا ضرب أحدكم خادمه، فليجتنب الوجه"، متّفق عليه، فأفاد أنه يباح ضربه في غيره، ومن ذلك الإذن لسيد الأمة يحدّها، فلا بُدّ من تقييد مطلق الضرب الوارد في حديث ابن عمر -رضي الله عنهما- هذا بما ورد من الضرب المأذون به، فيكون موجب العتق للعتق هو ما عداه. انتهى (?).
قال الجامع عفا الله عنه: إن صخ الإجماع المدّعَى فذاك، وإلا فظواهر الأحاديث تدل على وجوب العتق؛ أي: فيما عدا الضرب المباح، وأما حديث سُويد بن مقرّن -رضي الله عنه-، فلا ينافي الوجوب، فقد أمرهم -صلى الله عليه وسلم- بعتقها، فلما شَكَوا إليه أنهم ليس خادم غيرها استثنى لهم خدمتها، فإذا استغنوا عنها خلّوا سبيلها، فوجوب العتق ظاهر فيه أيضًا، فتأمل بالإمعان، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
وبالسند المتّصل إلى المؤلّف رحمه الله أوّل الكتاب قال:
[4291] ( ... ) - (وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، وَابْنُ بَشَّارٍ -وَاللَّفْظُ لِابْنِ الْمُثَنَّى- قَالَا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ فِرَاسٍ، قَالَ: سَمِعْتُ