وأخرج مسلم عن أحمد بن عبدة، عن حمّاد بن زيد، عن أيوب، عن نافع، عن ابن عمر، أن النبيّ -صلى الله عليه وسلم- لم يعتمر من الجِعرانة، قال: يقال: تفرّد به أحمد بن عبدة، عن حمّاد، ولم يُتابع عليه، وقد صحّ عن النبيّ -صلى الله عليه وسلم- أنه اعتمر من الجعرانة.
قال أبو مسعود: وهذه اللفظة في هذا الحديث قوله: "أن النبيّ -صلى الله عليه وسلم- لم يعتمر من الجعرانة"، فهي لفظة تفرّد بها حماد بن زيد، لا أحمد بن عبدة، وإنما أخرجه مسلم في "النذور" عن أحمد بن عبدة بإسناده أن عمر قال: يا رسول الله عليّ اعتكاف يوم، وفيه هذه اللفظة، ولم يخرجه في "الحج".
وقد أخرجه البخاريّ أيضًا بطوله في "كتاب الخمس" (3144) عن أبي النعمان، عن حمّاد بن زيد، عن أيوب، عن نافع، عن عمر، قال: يا رسول الله. . . الحديث، وفيه: قال نافع: ولم يعتمر النبيّ -صلى الله عليه وسلم- من الجعرانة، ولو اعتمر لم يَخْفَ على عبد الله.
قال أبو مسعود: وهذا يتابع أحمد بن عبدة، وإن كان الحديث مرسلًا، وقد رواه جرير بن حازم، ومعمر، وحمّاد بن سلمة، وأيوب مسندًا مجوّدًا، ولم يأتوا بهذه اللفظة التي أتى بها حماد بن زيد.
قال أبو مسعود: وقوله: وقد صحّ عن النبيّ -صلى الله عليه وسلم- بخلافه، فهو كما قال، غير أنه حديث تفرّد به همّام بن يحيى، عن قتادة، عن أنس -رضي الله عنه- أن النبيّ -صلى الله عليه وسلم- اعتمر أربعًا، وفسّره، ورواه مجاهد، عن عائشة، ولم يُفسّر من أين اعتمر النبيّ -صلى الله عليه وسلم-. انتهى (?).
[تنبيه]: سبب خفاء عمرة النبيّ -صلى الله عليه وسلم- من الجعرانة على ابن عمر وكثير من الصحابة -رضي الله عنهم- ما أخرجه أبو داود، والنسائيّ، والترمذيّ، واللفظ له، بإسناد حسن، عن مُحَرِّش الكعبيّ رحمه الله "أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- خرج من الجعرانة ليلًا معتمرًا، فدخل مكة ليلًا، فقضا عمرته، ثم خرج عن ليلته، فأصبح بالجعرانة كبائت، فلما زالت الشمس من الغد خرج من بطن سرف، حتى جامع الطريق طريق جمع ببطن سَرِف، فمن أجل ذلك خَفِيت عمرته عن الناس". انتهى.