خلاف الأولى غير صحيح، بل مراد الترمذيّ بهذه العبارة التحريم، وعليك أن تتّبع تراجمه بهذه العبارة في كثير من المحرّمات التي لا خلاف في تحريمها تجده واضحًا، وذلك أن السلف لا يطلقون الكراهة إلَّا على الحرام، وهو الموافق لكتاب الله؛ فإنه -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- قال -بعد ذكر عدّة محرّمات، من الشرك، والقتل، والزنا، وغيرها-: {كُلُّ ذَلِكَ كَانَ سَيِّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهًا (38)} [الإسراء: 38]، وإنّ من استعمل الكراهة لخلاف الأولى هم متأخرو الفقهاء، فتنبّه لذلك، فإنه مزلّة أقدام، وقد ذكرت هذا البحث مستوفى في غير هذا المحلّ، ولله الحمد والمنّة.
قال وليّ الدين: وقيّد ذلك -أي: القول بالكراهة- في "شرح الترمذيّ" بالحلف بغير اللات والعزّي، وملّة غير الإسلام، فأما الحلف بنحو هذا فهو حرامٌ، وكأن ذلك لأنَّها قد عُظّمت بالعبادة. وقد قال أصحابنا: إنه لو اعتقد الحالف بالمخلوق في المحلوف به من التعظيم ما يعتقده في الله تعالى كفر، وعلى هذا يُحمل ما روي أن النبيّ -صلى الله عليه وسلم- قال: "من حلف بغير الله، فقد كفر". انتهى.
فمعظّم اللات والعزّى كافرٌ؛ لأنَّ تعظيمها لا يكون إلَّا للعبادة، بخلاف مُعَظِّم الأنبياء، والملائكة، والكعبة، والآباء، والعلماء، والصالحين، لمعنى غير العبادة، لا تحريم فيه، لكن الحلف به مكروه، أو محرّم على الخلاف في ذلك؛ لورود النهي عنه، وحكمته أن حقيقة العظمة مختصّة بالله تعالي، كما قال تعالى: "الكبرياء ردائي، والعظمة إزاريّ ... "، فلا ينبغي مضاهاة غيره به في الألفاظ، وإن لم تُرَد تلك العظمة المخصوصة بالإله المعبود.
قال الجامع: قد عرفت فيما سبق أن الحق تعميم التحريم، فإن نصوص التحريم لم تفرّق بين الأنبياء، والملائكة، والأصنام، واللات والعزّي، بل قال -صلى الله عليه وسلم-: "من حلف بغير الله فقد كفر". فتبصّر، ولا تكن أسير التقليد، والله تعالى أعلم.
قال: وأما الحلف بالنصرانيّة، ونحوها، فلا أشكّ في أنه كفر؛ لأنَّ تعظيمها بأيّ وجه كان يقتضي حقيّتها، وذلك كفر، إلَّا أن يتأول الحالف أنه أراد تعظيمها حين كانت حقًّا قبل نسخها، فلا أكفّره حينئذ، ولكن أحكم عليه