بالأب (مُنْذُ سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- نَهَى عَنْهَا) وقوله: (ذَاكِرًا) منصوب على الحال؛ أي: حال كوني ذاكرًا؛ أي: عامدًا، وقال البغويّ رحمه الله: لم يُرد به الذكر الذي هو ضدّ النسيان، بل أراد به: محدّثًا عن نفسي، متكلّمًا به. انتهى (?).
(وَلَا أَثِرًا) بالمدّ، وكسر المثلثة؛ أي: حاكيًا عن غيري؛ أي: ما حلفت بها، ولا حكيت ذلك عن غيري، ويدلّ عليه ما وقع في رواية عُقيل عن ابن شهاب الآتية: "ما حلفت بها منذ سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ينهى عنها، ولا تكلمت بها".
وقال الحميديّ بعد ذكر الحديث: قال سفيان (?): سمعت محمد بن عبد الرَّحمن مولى آل طلحة -وكان بصيرًا بالعربيّة- يقول: "ولا آثرًا" آثُرُه عن غيري، أُخبر عنه أنه حَلَف بها، وقال أبو عبيد في "الغريب": "ولا آثرًا" يريد به: ولا مخبرًا عن غيري أنه حلف به، يقول: لا أقول: إن فلانًا قال: وأبي لا أفعل كذا وكذا، ومن هذا قيل: حديث مأثور؛ أي: يخبر به الناس بعضهم بعضًا، يقال منه: أَثَرتُ -مقصورًا- الحديثَ آثُرُه أَثْرًا، فهو مأثور، وأنا آثرٌ، على مثال فاعلٍ، قال الأعشى:
إِن الَّذِي فِيهِ تَمَاريتُمَا ... بَيِّنٌ للسَّامِعِ وَالآثِرِ (?)
وقال في "الفتح" بعد ذكر بعض ما تقدّم ما نصّه: وقد استُشْكِل هذا التفسير لتصدير الكلام بـ"حلفتُ"، والحاكي عن غيره لا يسمى حالفًا.
وأجيب باحتمال أن يكون العامل فيه محذوفًا؛ أي: ولا ذكرتها آثرًا عن غيري، أو يكون ضَمَّنَ حَلَفْتُ معنى تكلمت، ويقويه رواية عُقيل، وجوّز الحافظ العراقيّ في "شرح الترمذيّ" لقوله: "آثرًا" معنى آخر؛ أي: مختارًا، يقال: آثَرَ الشيءَ: إذا اختاره، فكأنه قال: ولا حلفت بها مُؤثرًا لها على غيرها.