وقال ابن قُدامة رحمه الله في "المغني": والوصيّة بالمال هي التبرّع به بعد الموت، والأصل فيها الكتاب، والسُّنّة، والإجماع، أما الكتاب، فقول الله -سبحانه وتعالى-: {كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّة} الآية [البقرة: 180]. وقال الله تعالى: {مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ} الآية [النساء: 11].
وأما السنّة، فحديث سعد بن أبي وقّاص -رضي الله عنه- الآتي في الباب الثاني.
قال: وأجمع العلماء في جميع الأمصار والأعصار على جواز الوصيّة. انتهى (?).
وقال الشيخ وليّ الله الدهلويّ رحمه الله في كتابه "حجة الله البالغة" -مبيّنًا حكمة تشريع الوصيّة-: لَمّا كان الناس في الجاهليّة يضارّون في الوصيّة، ولا يتّبعون في ذلك الحكمة الواجبة، فمنهم من ترك الحقّ والأوجب مواساته، واختار الأبعد برأيه الأبتر، وجب أن يسدّ هذا الباب، ووجب عند ذلك أن يُعتبر المظانّ الكليّة بحسب القرابات، دون الخصوصيّات الطارئة بحسب الأشخاص، فلما تقرّر أمر المواريث قطعًا لمنازعتهم، وسدًّا لضغائنهم، كان من حكمه أن لا يسوغ الوصيّة لوارث؛ إذ في ذلك مناقضة للحدّ المضروب.
وقال قبل ذلك: وأيضًا فالحكمة أن يأخذ ماله من بَعده أقرب الناس منه، وأولاهم به، وأنصرهم له ... ومع ذلك فكثيرًا ما تقع أمور توجب مواساة غيرهم، وكثيرًا ما يوجب خصوص الحال أن يختار غيرهم، فلا بدّ من ضرب حدّ لا يتجاوزه الناس، وهو الثلث؛ لأنه لا بدّ من ترجيح الورثة، وذلك بأن يكون لهم أكثر من النصف، فضَرَب لهم الثلثين، ولغيرهم الثلث. انتهى كلام وليّ الله الدهلويّ رحمه الله (?).
[تنبيه]: (اعلم) أن أول "كتاب الوصية" هو ابتداء الفوات الثاني، من المواضع الثلاثة التي فاتت أبا إسحاق إبراهيم بن محمد بن سفيان صاحب مسلم، فلم يسمعها من مسلم، وقد سبق بيان هذه المواضع في "شرح