في الكلالة؛ أي: في معرفة أحكامها (بِقَضِيَّةٍ)؛ أي: بقضاء، فالمراد بالقضيّة هنا معناها المصدريّ، قال في "القاموس": "القضاءُ"، ويُقصر: الحكم، قَضَى عليه يَقْضي قَضْيًا، وقَضَاءً، وقَضِيَّةً، وهي الاسم أيضًا. انتهى (?). (يَقْضِي بِهَا)؛ أي: بتلك القضيّة (مَنْ يَقْرَأُ الْقُرْآنَ، وَمَنْ لَا يَقْرَأُ الْقُرْآنَ)؛ يعني: أنه يستوي في فهم تلك القضيّة الخاصّ والعامّ؛ لوضوحها وبيانها.

وفي رواية همّام بن يحيى عن قتادة عند أحمد (?): "فسأقضي فيها بقضاء يعلمه من يقرأ، ومن لا يقرأ"، وفي رواية سعيد بن أبي عروبة عنده أيضًا (?): "أقضي فيها قضيّة لا يختلف فيها أحد يقرأ القرآن، أو لا يقرأ القرآن"، ومفاد هذه الروايات جميعًا: أني سوف أقضي في الكلالة بقضيّة يعرفها كلّ عالم وجاهل، ولا يختلف فيها أحد.

وقد ساق ابن جرير في "تفسيره" عدّة روايات تُبيّن أن عمر -رضي الله عنه- كتب في الكلالة كتابًا، ولكنه لم يستطع إخراجه إلى الصحابة، وأخرج عن طارق بن شهاب قال: "أخذ عمر كتفًا، وجمع أصحاب محمد -صلى الله عليه وسلم-، ثم قال: لأقضينّ في الكلالة قضاءً تَحَدّث به النساء في خدورهنّ، فخرجت حينئذ حيّة من البيت، فتفرّقوا، فقال: لو أراد الله أن يتمّ هذا الأمر لأتمّه"، وفي رواية أخرى عند ابن جرير أيضًا أنه قال عند وفاته: "إني كنت كتبت في الجدّ والكلالة كتابًا، وكنت أستخير الله فيه، فرأيت أن أترككم على ما كنتم عليه".

وأخرج أحمد (?) عن أبي رافع قال: "إن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- كان مستندًا إلى ابن عبّاس، وعنده ابن عمر، وسعيد بن زيد -رضي الله عنهم-، فقال: اعلموا أني لم أقل في الكلالة شيئًا، ولم أستخلف من بعدي أحدًا ... إلخ"، وهذا يدلّ على أنه لم يصل إلى القول الفصل في الكلالة حتى آخر حياته -رضي الله عنه-.

وقال القرطبيّ رحمهُ اللهُ: قوله: "وإني إن أَعِشْ أَقْض فيها بقضيّة ... إلخ"

طور بواسطة نورين ميديا © 2015