"سننه" (2/ 248، 249)، و (ابن حبّان) في "صحيحه" (4936)، و (الحاكم) في "المستدرك" (2/ 14)، و (أبو عوانة) في "مسنده" (3/ 403)، و (الطبرانيّ) في "الأوسط" (4/ 191 و 8/ 120) و"الكبير" (20/ 445 - 446)، و (البيهقيّ) في "الكبرى" (6/ 29، 30)، و (البغويّ) في "شرح السُّنَّة" (2127)، والله تعالى أعلم.
(المسألة الثالثة): في اختلاف أهل العلم في حكم الاحتكار:
قال العلامة ابن قُدامة رَحِمَهُ اللهُ: والاحتكار المحرَّم ما اجتمع فيه ثلاثة شروط:
[أحدها]: أن يشتري، فلو جلب شيئًا، أو أدخل من غلته شيئًا، فادّخره لم يكن محتكرًا، روي عن الحسن، ومالك، وقال الأوزاعيّ: الجالب ليس بمحتكر؛ لقوله: "الجالب مرزوق، والمحتكر ملعون" (?)، ولأن الجالب لا يُضَيِّق على أحد، ولا يضر به، بل ينفع، فإن الناس إذا عَلِموا عنده طعامًا مُعَدًّا للبيع كان ذلك أطيب لقلوبهم.
[الثاني]: أن يكون الْمُشْترَى قوتًا، فأما الإدام، والحلواء، والعسل، والزيت، وأعلاف البهائم فليس فيها احتكار محرَّم، قال الأثرم: سمعت أبا عبد الله يُسأل عن أيّ شيء الاحتكار؟ قال: إذا كان من قوت الناس، فهو الذي يُكره، وهذا قول عبد الله بن عمرو، وكان سعيد بن المسيِّب، وهو راوي حديث الاحتكار يحتكر الزيت، قال أبو داود: وكان يحتكر النوى، والخبَط، والبزر، ولأن هذه الأشياء مما لا تعمّ الحاجة إليها، فأشبهت الثياب، والحيوانات.
[الثالث]: أن يُضيِّق على الناس بشرائه، ولا يحصل ذلك إلا بأمرين:
(أحدهما): أن يكون في بلد يَضِيق بأهله الاحتكار، كالحرمين، والثغور، قال أحمد: الاحتكار في مثل مكة، والمدينة، والثغور، فظاهر هذا أن البلاد الواسعة الكثيرة المرافق والجلب، كبغداد، والبصرة، ومصر لا يحرم فيها الاحتكار؛ لأن ذلك لا يؤثر فيها غالبًا.