[الحال الثالث]: أن يرهنه قبل الحقّ، فيقول: رهنتك عبدي هذا بعشرة تقرضنيها، فلا يصح في ظاهر المذهب، وهو اختيار أبي بكر، والقاضي، وذكر القاضي أن أحمد نصّ عليه في رواية ابن منصور، وهو مذهب الشافعيّ، واختار أبو الخطاب أنه يصح، فمتى قال: رهنتك ثوبي هذا بعشرة، تقرضنيها غدًا، وسلّمه إليه، ثم أقرضه الدراهم، لزم الرهن، وهو مذهب مالك، وأبي حنيفة؛ لأنه وثيقة بحقّ، فجاز عقدها قبل وجوبه، كالضمان، أو فجاز انعقادها على شيء، يحدث في المستقبل، كضمان الدِّرَك.

قال: ولنا أنه وثيقة لحق لا يلزم قبله، فلم تصح قبله، كالشهادة، ولأن الرهن تابع للحق، فلا يسبقه كالشهادة، والثمن لا يتقدم البيع، وأما الضمان فيحتمل أن يمنع صحته، وإن سلّمنا فالفرق بينهما أن الضمان التزام مال، تبرعًا بالقول، فجاز من غير حق ثابت، كالنذر، بخلاف الرهن. انتهى كلام ابن قُدامة رحمه الله (?)، وهو بحث نفيسٌ، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

(المسألة السادسة): في اختلاف أهل العلم في الرهن في الحضر:

ذهب الجمهور إلى مشروعيته في الحضر؛ لحديث الباب، واحتجوا له أيضًا من حيث المعنى، بأن الرهن شُرع توثقة على الدَّين؛ لقوله تعالى: {فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا} [البقرة: 283]، فإنه يشير إلى أن المراد بالرهن الاستيثاق، وإنما قيَّده بالسفر؛ لأنه مظنة فَقْد الكاتب، فأخرجه مخرج الغالب.

وخالف في ذلك مجاهد، والضحاك، فيما نقله الطبريّ عنهما، فقالا: لا يُشرع إلا في السفر، حيث لا يوجد الكاتب، وبه قال داود وأهل الظاهر، وقال ابن حزم: إن شَرَط المرتهن الرهن في الحضر، لم يكن له ذلك، وإن تبرع به الراهن جاز، وحُمل حديث الباب على ذلك. قاله في "الفتح" (?).

وقال ابن قُدامة رحمه الله: ويجوز الرهن في الحضر، كما يجوز في السفر، قال ابن المنذر: لا نعلم أحدًا خالف في ذلك، إلا مجاهدًا، قال: ليس الرهن إلا في السفر؛ لأن الله تعالى شرط السفر في الرهن بقوله تعالى: {وَإِنْ كُنْتُمْ عَلَى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُوا كَاتِبًا فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ}.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015